لاختبار مدى الطاعة لله، والاتصال بالله، والاستسلام لفرائضه أيا كان فيها من الحرمان، إيثار لما عند الله من المتاع.
هذا بالإضافة إلى أن الصوم - كما نبه الإمام - صلوات الله وسلامه عليه - حجاب صفيق بين الإنسان وبين الوقوع في الخطأ، كما يحول بين المرء وبين أن يتبع هواه عن طريق لسانه وسمعه وبصره وفرجه وبطنه.
وليس هذا الحديث: (الصوم جنه من النار) غريبا علينا إذا علمنا بأن الصوم هو نفسه أداة لإماتة الشهوة وإطفاء جذورها الملتهبة، وربما نجد سبيلا لأن نربط بين جوع المعدة وخلوها من الطعام، وكذلك بين الظمأ وبين إماتة الشهوة وإطفائها فقد يمكن القول أن كثيرا من أسباب الشهوة المتقدة يرجع إلى امتلاء البطن وشبعها، وإلى الري الكامل الذي لا ظمأ معه.
ولا ريب أن تقليل المأكول نافع للنفس والأخلاق، والتجربة قد دلت عليه لأنا نرى المكثر من الأكل يغلبه النوم والكسل وبلادة الحواس وتبخر المأكولات الكثيرة أبخرة كثيرة فتتصاعد إلى الدماغ فتفسد القوى النفسانية. وأيضا فإن كثرة المأكل تزيل الرقة وتورث القساوة والسبعية، والقياس أيضا يقتضي ذلك، لأن كثرة المزاولات سبب لحصول الملكات، فالنفس إذا توفرت على تدبير الغذاء وتصريفه كان ذلك شغلا شاغلا لها وعائقا عظيما عن انصبابها إلى الجهة الروحانية العالية، ولكن ينبغي أن يكون تقليل الغذاء إلى حد يوجب جوعا قليلا فإن الجوع المفرط يورث ضعف الأعضاء الرئيسية واضطرابها واختلال قواها، وذلك يقتضي تشوش النفس واضطراب الفكر واختلال العقل، ولذلك تعرض الأخلاط السوداوية لمن أفرط عليه الجوع، فإذن لا بد من إصلاح أمر الغذاء بأن يكون قليل الكمية كثير الكيفية، فتؤثر قلة كميته في أنه لا يشغل النفس بتدبير الهضم عن التوجه إلى الجهة العالية الروحانية، وتؤثر