به غايتها على ضوء الأخلاق العالية والعواطف النزيهة، حيث يكون الولد البر والأب الرحيم، والأم الحنون، حيث ينشأ الطفل على الدين، ويشب على الفضيلة ويهيأ لتحمل متاعب الحياة وتكاليفها، ويوجه إلى مثلها العليا، وغايتها المرجوة حتى يتم للعالم عمرانه وللإنسان سعادته.
ومن هذه النواحي نظر إليها الإسلام واهتم بأمرها، فأوجب في بداية الأمر إشهارها وإعلانها، وندب إلى الاحتفال بها تعظيما لشأنها. وأوجب على الزوج المهر. وجعله حقا خالصا للزوجة، جزاء ما رضيت به من شركة، وما فرضته على نفسها من تبعية، وما ستقدمه من معونة، إعزازا لجانبها وتكريما لالتزامها. لا يجب فيه جهاز، ولا مطمع فيه لأحد من زوج أو قريب، ولا رغبة فيه لأحد إلا رغبتها خالصة.
رفع الإسلام من شأن الزوجية، فجعلها صلة أبدية، قوامها المحبة وأساسها المودة والرحمة، يقول الله تعالى: " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ".
هذا الحب الذي من وده ينشأ الود كله في كل الصدور، ومن سكنه تخيم السكينة كلها على كل النفوس، ومن رحمته تفيض الرحمة كلها على كل القلوب هذا الحب الذي من خيوطه ينسج الزوجان أوكار الصغار. وهي أجمل وأحلى وأقدس صورة خلقها الله في ملكوته من السماوات والأرض، يدخل إليها الرجل وحشا فيصبح إنسانا، وتدخل إليها المرأة لعبة فتصبح الجنة تحت أقدامها تلك الأوكار التي تخيم عليها السكينة، وتورق فيها الرحمة، ويزهر بها الحنان وتثمر منها عبادة الله، فيبدأ أول دعاء صادق نستمطر به رحمة الله على أفلاذ أكبادنا الذين جعلهم الخلاق الحكيم بسر الحب أعز علينا من أكبادنا.