ومن الأمثال: أقلل طعامك يحمد منامك.
وحد الاعتدال في الغذاء ما بينه الرسول الأعظم محمد (ص) في قوله:
(نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع).
ولقد أخطأ من قال: إن الأكل الكثير يكون منه للجسم غذاء كثير، وفي الواقع أن لا غذاء إلا في الطعام الذي يحسن هضمه. أما الإكثار من الأكل فيكون مجلبة للضرر وخيم المغبة.
وقد قسم رسول الله (ص) المعدة إلى ثلاثة أقسام فقال: قسم للطعام وقسم للماء، وقسم للتنفس، فمن تأمل في ذلك التقسيم البديع وجد فيه حكمة بالغة يأمن معها الإنسان شر الأمراض، لأن من أكل أكثر مما يحتاج إليه يتسبب عنه سوء الهضم ويتناوله أكثر من سبعة أمراض: منها الضعف والتهاب القناة الهضمية التهابا مزمنا، فإذا قدر وانهضم الطعام كله لقوة في المعدة ضعفت الأعضاء الأخر، ويحدث من ذلك سمن مفرط يعوق الحركة الجسمية وينشأ أمراض كثيرة أهما داء النقطة والسكتة وغيرهما.
هذا ونحن لا نذهب إلى أن الجوع الشديد مصف للفكر وموقد للذهن ومفجر للخيال، فلا يخفى على أحد أن انشغال الذهن بنداء المعدة مع عدم التمكن من تلبية هذا النداء الملح، هو أكبر شاغل للانسان عن التفكر في أي شئ آخر غير أمر التلبية، وإنما نرى الاعتدال هنا كما نرى الاعتدال في كل مكان حسنا، فلا الجائع الحرب يستطيع أن ينتج أي نوع من الانتاج فكريا كان أم عمليا، ولا الممتلئ المشحون الذي لا يجد متنفسا لرئتيه يستطيع ذلك أيضا، فكلاهما مشتركان في الحرمان من هذه الفائدة، أما المتوسط والمعتدل فهو الذي يكون ذا قوة إرادية قوية جدا، وهو الذي يكون صافي الذهن ذو مهارة عملية فائقة.