كفيل بردع الأمة عن سوء ما تتخلق به من طبائع قد تفضي بها إلى الانهيار، كم ذا رأينا ونرى الشعوب المفسخة كفرنسا وإيطاليا وغيرها من الأمم التي سارت بأخلاقها أو سارت بها أخلاقها إلى الانحلال. والنبي إذا قال: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " يشير بذلك إلى أن حياة الإنسان السامية تتقوم بسمو الأخلاق.
فالأخلاق ليس لها زمان ومكان، وإنما هي نفس الزمان ونفس المكان الذي يتسع للعالم، فإما أن يكون هذا الزمان أو المكان صالحا فيبقى على أهله بين يدي تطورهم القائم على الخلود في عالم الحق.
إن عبقرية الإمام تتقوم بكلمات تأتي في الصميم البالغ، منها هذا القول الذي تصدر البحث، فليس من العبقرية في البلاغة هذا القول وإنما هو من البلاغة في العبقرية بحيث يتصدر الإعجاز، فهو يقرر بهذه الجملة عنصرين هامين في بناء الدستور الإنساني. أولهما ضرورة التطور في الحياة، وثانيهما قيام التطور على دعائم الحق في العالم.
هذا هو الدستور الذي يشير إليه معلمه محمد بقوله السالف، وهذا هو الذي يعنيه الشاعر بقوله:
وإذا الأخلاق كانت سلما * نالت النجم يد الملتمس فارق فيها ترق أسباب السما * وعلى ناصية الشمس اجلس وإذا جعل محمد (صلوات الله عليه) عنوان رسالته مكارم الأخلاق فكيف لا يكون علي (عليه السلام)، وهو تلميذه الأول، مقرر هذا العنوان ومعززه في صدور البلغاء، وهو إنما كان خليفته ووصيه وأخاه وابنه وتلميذه وصهره، لينشر هذا العنوان لواء يدعو الأمم إلى الانضواء تحته؟؟.
محمد الذي جعل سمو الخلق أحد شقي رسالته الذين هما العلم والأخلاق