والتزمت والاحتشام التي هي من صفات الرجولة بعد الشباب.
أذكر بدقة: أنا كنا في دور الصبا ونكاد لا ننهد إلى الخامسة من سني حياتنا، كنا نختلس الزمن الذي يخولنا اللعب ساعات حتى إذا فاجأنا رجل ما نهرب ونتوارى خوفا من تأنيبه وتقريعه، وقد نتعرض في سبيل اللعب إلى سخط الشيوخ واستعمالهم العصي أحيانا كثيرة ليزجرونا عن وظيفة الطبع في نفوسنا، وكان اللعب واللهو في صغار القرية وكبارها سبة أولى تنال أهل الولد اللاعب اللاهي، فالمسلمون أفرطوا في تربية أولادهم تربية الجمود، وغيرهم فرطوا في تربية أبنائهم تربية التحرر حتى الجحود، لقد رأيت السواد الأعظم من الغربيين يقطعون حياتهم في اللعب واللهو، من المهد إلى اللحد.
لقد خلقوا لهوا ولعبا يحار فيه عقل الإنسان المفكر، مثل الملاكمة التي يذهب ضحيتها عشرات الناس في كل أسبوع، وكلما سقطت ضحية صفق لسقوطها عشرات الألوف من النظارة حولهم. ومن هذه الألعاب كرة القدم ويا لها لعبة يموج اللاعبون في حلبتها وحولهم مئات الألوف يهتفون ويهللون وهكذا حياة الغربي حافلة باللعب ولكنه لعب يقوم على حكمة يفيد منها مجتمعهم كلها نشاط، وأما حياتنا نحن الشرقيين فهي حافلة بالجد ولكنه جد يقوم على الخمول والكسل.
فالإنسانية التي يدعو إليها محمد في كلمته بصدر هذا البحث تعني الوسط بين هؤلاء وهؤلاء لا إلى الهزل كل الهزل، ولا إلى الجد كل الجد.
عقيدتي أن السنوات السبع الأولى من حياة الإنسان يجب أن يكون قاصرا فيها على اللعب واللهو والمرح والانطلاق والرياضة، ثم إذا تعدى في لعبه الطور المباح له فأصبح إلى الضرر أقرب منه إلى النفع، وجبت رعايته بما يرده عن لهوه وإرشاده بالحسنى إلى اللعب المباح، وليكن حرص أبيه بالغا في