قرأت للإمام على أمير المؤمنين عليه السلام (في نهج البلاغة) خطبة يستعرض فيها حق السلطان على الرعية، وحق الرعية على السلطان قائلا:
(... ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها ويوجب بعضها بعضا ولا يستوجب بعضها إلا ببعض. وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله سبحانه لكل على كل، فجعلها نظاما لألفتهم وعزا لدينهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه، وأدى الوالي إليها حقها، عز الحق بينهم وقامت مناهج الدين واعتدلت معالم العدل وجرت على أذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان وطمع في بقاء الدولة ويئست مطالع الأعداء وإذا غلبت الرعية واليها وأجحف الوالي برعيته، اختلفت هنالك الكلمة وظهرت معالم الجور وكثر الإدغال في الدين وتركت محاج السنن، فعمل بالهوى وعطلت الأحكام وكثرت علل النفوس، فلا يستوحش لعظيم حق عطل ولا لعظيم باطل فعل، فهنالك تذل الأبرار وتعز الأشرار، وتعظم تبعات الله سبحانه عند العباد...) (1) (نستخلص من هذه التوجيهات، الأمور التالية:
1 - أن المجتمع الصالح الذي يعز فيه الحق، ولا يطمع فيه العدو يتقوم بأمرين: صلاح الراعي، وصلاح الرعية: أما صلاح الراعي فبعلمه وإخلاصه، وكفاءته للقيام بأعباء الحكم. وأما صلاح الرعية فيتقوم بالنصح والاخلاص للراعي الصالح، والتعاون على الخير والنفع العام، فإذا قصر الراعي، أو تمردت الرعية فقد الأمن، وعم القلق والذعر، وشلت الأعمال، وإلى هذا