والحج بعد ذلك كله مؤتمر جامع للمسلمين قاطبة. مؤتمر يجدون فيه أصلهم العريق الضارب في أعماق الزمن منذ أبيهم إبراهيم الخليل: (ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا).. ويجدون محورهم الذي يشدهم جميعا إليه: هذه القبلة التي يتوجهون إليها جميعا ويلتفون عليها جميعا.. ويجدون رايتهم التي يفيئون إليها. راية العقيدة الواحدة التي تتوارى في ظلها فوارق الأجناس والألوان والأوطان.. ويجدون قوتهم التي قد ينسونها حينا. قوة التجمع والتوحد والترابط الذي يضم الملايين. الملايين التي لا يقف لها أحد لو فاءت إلى رايتها الواحدة التي لا تتعد راية العقيدة والتوحيد وهو مؤتمر للتعارف والتشاور، وتنسيق الخطط وتوحيد القوى، وتبادل المنافع والسلع والمعارف والتجارب، وتنظيم ذلك العالم الإسلامي الواحد الكامل المتكامل مرة في كل عام. في ظل الله. بالقرب من بيت الله. وفي ظلال الطاعات البعيدة والقريبة، والذكريات الغائبة والحاضرة. في أنسب مكان، وأنسب جو. وأنسب زمان.
فذلك إذ يقول الله سبحانه: (ليشهدوا منافع لهم)).. كل جيل بحسب ظروفه وحاجاته وتجاربه ومقتضياته. وذلك بعض ما أراده الله بالحج يوم أن فرضه على المسلمين، وأمر إبراهيم عليه السلام أن يؤذن به في الناس.
أجل أعود ثانية فأقول: الحج هو اجتماع الألوف المؤلفة من المسلمين المبعثرين في سائر أرجاء العالم، المختلفين في الأجناس واللغات في بقعة واحدة، ملبين بالروح والجسم معا، نداء ربهم، وهم من بساطة الملبس، والتساوي في الدرجات على صورة لا توازيها صورة في أي شرع من الشرايع ولا مدنية من المدنيات الأرضية. وهم بين أمير ومأمور، وحاكم ومحكوم وعربي وتركي، وأفغاني وفارسي، وهندي وسوداني، وحبشي وصيني، وأوربي