تلك الكلمات تجد أنه تشع منها أنوار تهدي للتي هي أقوم. يدعو الناس إلى القيام بالواجب والاعتراف بالحق. وهذا أقصى تشريع يتطلبه عقلاء الأمم اليوم من أجل تأمين النظام والسلم العام ما بادت أمة من الأمم السالفة فأضاعت سؤدها إلا بسبب سقوط أخلاقها وانحرافها عن السبل الصحيحة التي كان يسوقها إليها معلموها الأبرار وما ضاع حق إلا من قصر عقل الجاهل المطالب به وضعف خبرته. ولا ريب في أن الضعيف مغلوب على أمره.
لم يكن الملك عادلا، ولا الوزير حاكما قادرا، ولا الشعب واقفا على ما يحاك حوله من الشباك لولا المعلم. وما نراه ونقرؤه في صحف التاريخ من حضارات قديمة كانت أو حديثة ومن علوم وفنون واكتشافات واختراعات، ما هي إلا من مأثر أولئك الأبطال (وهم المعلمون).
وجماع القول إن المعلم مرب ولولاه لما عرف المخلوق خالقه. فالأنبياء مرشدون سيروا الشعوب إلى طريق الهدى والحق، وردعوهم عن الغي والبهتان، والفلاسفة معلمون يتحرون الحقائق ويفتشون على كنه الأشياء.
* * * كل محاسن هذا الكون مدينة للمعلمين الذين ثابروا على الاستنباط والتدقيق طوال حياتهم، فعلموا الشعوب كيف تفكر وكيف تشعر بواجباتها لتنافس الأمم المناوئة لها في مضمار الحياة.
فإذا كان في الشعوب المتمدنة قوة إبداع علمية أو صناعية، وصفات ممدوحة، فمر جعلها المعلم الذي أنهك جسمه وأضنى فكره في سبيل التهذيب حتى كانت حياته القصيرة ملأى بالجهود والأتعاب فيتضح من ذلك كله أن المعلم الذي يضحي بنفسه وهو يعاين الجراثيم الفتاكة أمام منضدته، ليعلم تأثيرها إلى تلاميذه،