لم يكن أقل قدرا ومكانة من القائد الفاتح. فإذا كان هذا يسوق الجند إلى ميادين القتال لحفظ كيان أمته ورفعة مجدها، فإن ذاك يسير الشعوب إلى ساحات الجد والعمل بنشاط، ويهيئها إلى الاختراع والإبداع من جهة، وإلى استساغة الموت في سبيل الواجب من جهة أخرى.
المعلم أمام منضدة التدريس بصوته الجهوري يلقي على تلاميذه دروسا قيمة ويبث فيهم المبادئ الطيبة والروح السامية، وهو على منبره كأنه الجبل الراسخ والبنيان المرصوص.
وهناك العاهل الجالس على كرسي عرشه، المفكر في تدبير شؤون رعيته لا يكون حكمه عادلا ما لم يتدرب على حب الحق وتقديره على يد معلم قدير ومما هو جدير بالذكر ما قام به المعلمون في القرون الوسطى من الجد والتعليم طوال حياتهم، فأبقوا من الآثار ما يعسر عده وحصره، ومن الذكريات ما لم تمحه العصور والدهور.
ولقد قام أبطال الإسلام بوظيفة التعليم والإرشاد للمدينة الحقة في زمن لم يتسير التقدم فيه إلا للأمة الإسلامية التي جاهد معلموها طيلة أل ف عام - فترة القرون الوسطى - فانتفعت من علومهم أمم الغرب، وما المقبول من مدنيات هؤلاء اليوم إلا ولهم فيها التأثير البليغ.
وقد رأينا في عصور الحضارات الأخيرة أن النهضات العلمية والفكرية في البلاد لا تثمر إلا إذا اشتراك فيها المعلمون بجهودهم المتواصلة.
فالمعلمون في الأرض كالنجوم المتألقة في السماء، يستضئ الناس بأنوار ثقافتهم، فيهتدون إلى سبل النجاة.
لم تتسع العلوم والفنون في العصور الأخيرة في الغرب منذ بدء دور الانتباه توسعا محسوسا تشعبت منه لكل علم شعبات لها قواعد ونظريات تختص