سوقا رائجة، حيث تجبى إلى البلد الحرام ثمرات كل شئ. من أطراف الأرض. ويقدم الحجيج من كل فج ومن كل قطر. ومعهم من خيرات بلادهم ما تفرق في أرجاء الأرض في شتى المواسم. يتجمع كله في البلد الحرام في موسم واحد. فهو موسم تجارة، ومعرض نتاج، وسوق عالمية تقام في كل عام. وهو موسم عبادة تصفو فيه الأرواح، وهي تستشعر قربها من الله في بيته الحرام.
وهي ترف حول هذا البيت وتستروح الذكريات التي تحوم عليه وترف كالأطياف من قريب ومن بعيد..
طيف إبراهيم الخليل (عليه السلام) وهو يودع البيت فلذة كبده إسماعيل وأمه، ويتوجه بقلبه الخافق الواجف إلى ربه: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة، فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون).
وطيف هاجر، وهي تستروح الماء لنفسها ولطفلها الرضيع في تلك الحرة الملتهبة حول البيت، وهي تهرول بين الصفا والمروة وقد نهكها العطش، وهدها الجهد وأضناها الاشفاق على الطفل.. ثم ترجع في الجولة السابقة وقد حطمها اليأس لتجد النبع يتدفق بين يدي الرضيع الوضئ. وإذا هي زمزم، ينبوع الرحمة في حصراء اليأس والجدب.
وطيف إبراهيم (عليه السلام) وهو يرى الرؤيا، فلا يتردد في التضحية بفلذة كبده، ويمضي في الطاعة المؤمنة إلى ذلك الأفق البعيد: (قال: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى) فتجيبه الطاعة الراضية في إسماعيل (عليه السلام): (قال: يا أبت افعل ما تؤمر، ستجدني إن شاء الله من الصابرين).. وإذا رحمة الله تتجلى في الفداء: (وناديناه أن يا إبراهيم قد