عند ربهم حتى يؤدوها إلى الأبناء، والصلة الوثيقة بين القديم والجديد إنما تقوم على الوراثة، وخير للآباء القدامى أن يورثوا أبناءهم الجدد خير ما عندهم من أخلاق، ولعل تربيتهم أبناءهم على التعلق بها هي إحدى الفضائل التي يتقوم بها الدين المنزل من السماء على الأرض.
وإذا لم يرث عني ولدي خير ما أحرص عليه من تراث كان مزاج لحمي ودمي حبا في الخير ونقمة على الشر، فما ذا يرث إذن عني والمفروض أنه يجب أن يكون وارثي ليكون مني.
إذن فالمعني للإمام بقوله: " لا تقسروا أبناءكم على أخلاقكم " إنما هو العادات والسجايا والتقاليد التي تلائم عصر الآباء ولا تتسق للأبناء من وراء الرقي المفروض بدافع التطور الطبيعي في الإنسان، ومثالا على ذلك: إنا نحن الآباء درجنا في جيل مضى على أن نلبس الجلباب ونأكل باليدين ونضطجع أو ننام على الأرض، وأن نتخذ من دورنا محافل وأندية للسمر والتندر، وأن نلتزم الوفاء والحزم والاحتفاظ بالهيبة في تربية أولادنا وتلقين تلامذتنا إلى غير ذلك من الأخلاق والصفات التي تلائم عصرنا.
أقول: نحن الآباء الذين درجنا على مثل هذه العادات، وتخلقنا بمثل تلك السجايا لسنا مصيبين إذا حملنا أبناءنا أو أكرهناهم على التخلق بها في عصر تأنقت فيه الحياة وارتفع بنا مستوى العيش فيها، وهكذا كنا ندرس في المساجد فرادى فأصبح أبناؤنا يدرسون جماعات وفي معاهد يلتقي الدين فيها بالدنيا، بينما كانت دروسنا قاصرة على الفقه أو ما يلزم الفقه من لغة وبيان حتى حرم بعض الفقهاء على الدارس أن يخلط مع هذه العلوم علوما أخرى كالطب والهندسة والكيمياء وعلوم النفس والسياسة والاجتماع والتجارة وغير ذلك.
وهكذا نجد طراز حياتنا قبل خمسين عاما قد تغير وتحول في أبنائنا