هكذا يقرر الإمام (صلوات الله عليه) فهو يريد أن ينبه إلى أن الأصل في الطبيعة هو الذل والمسكنة، والأصل في كل شئ يوافق ويلائم ما عليه الشئ من حال. أما الخروج عن الأصل، وعن الحالة الاعتيادية فهو خرق للنظام وتكلف في خلق نظام آخر جديد لا يقوم مقام النظام الأول.
ولا يريد عليه السلام أن الذل أصل في كل إنسان بالنسبة إلى مثله. فليس ذلك ما يريد، لأن الطبيعة الإنسانية في حساب الإمام عليه السلام كوحدة موحدة لا تمايز فيها ولا خلاف، وهي كلها يجب - كما أن الأصل فيها - أن تكون ذليلة خاضعة لمن؟ لله القوي المتكبر المتجبر المهيمن السلام، ولا قوة إلا بالله.
هذا ما يتجلى لدينا من هذه الفقرات المشعة.
ومعلوم أن الهدي والقلائد قوام للناس، فمن بذلها قومت له دينه، وكفرت عن ذنبه، وطهرت له نفسه، وزكت ماله، وجعلته آمنا على نفسه وهي عند من يأخذها قوام حياته، وتخفيف آلامه.
والقرآن الكريم ربط (الهدي) بتقوى الله قال: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب). إذ أن التقوى هي الغاية من مناسك الحج وشعائره وتعظيم شعائر الله تعالى يتبعه الالتزام بها، وذلك خير عند الله. خير في عالم الضمير والمشاعر، خير في عالم الحياة والواقع. فالضمير الذي يتمسك بشعائر الله هو الضمير الذي يتطهر، والحياة التي ترعى فيها شعائر الله هي الحياة التي يأمن فيها البشر من البغي والاعتداء، ويوجد فيها متابة أمن، وواحة سلام، ومنطقة اطمئنان. وفوق ذلك أنها رموز تعبيرية عن التوجه إلى رب البيت وطاعته. وقد تحمل في طياتها ذكريات قديمة من عهد إبراهيم (عليه السلام) وما تلاه، وهي ذكريات الطاعة والإنابة والتوجه إلى الله منذ نشأة هذه الأمة