ينصح لهم ويرفق بهم، ويبذل الجهود في رفدهم ومعونتهم، وأن لا يحتقر ناشئا ولا يتصغر مبتدءا، وأن يوجه ذهن الطالب إلى تعقل المسائل وفهم المعاني من أقرب الوجوه مجتنبا الاحتمالات البعيدة وتكلف التعسفات الممقوتة، وأن يحضر درسه قبل إلقائه فيراجع ما يحتاج إلى مراجعته من الكتب لتصحيح ألفاظ وتحقيق بحث.
وألا يأتي للطلبة في أثناء الدرس بما يهوش الفهم، فلا يغرب بالإكثار من الاعتراضات اللفظية والجواب عنها بالاحتمالات، فإن ذلك مضيعة للأوقات وألا يخلط مسائل علم بعلم آخر إلا ما جاء عرضا وتوقف عليه فهم المقام وأن يمرنهم على المناقشة فيما يصل بهم إلى المطلوب، فليس بنافع أن يلقن المعلم الطلبة ما يريد من الأحكام والمسائل ليحفظوها عن ظهر قلب، بل يستمر معهم في أخذ ورد وبحث وتمثيل حتى يصل بهم إلى ما يريد، وأن يعودهم أيضا القدرة على التعبير عما يدركونه بعد إيضاح الموضوع لهم إيضاحا تاما، وأن يمرنهم على إثبات الشئ بالبرهان الصحيح الثابت الذي لا يقبل النقض لتجري في نفوسهم حركة المعقولات، ويحيى فيهم قوة التأمل والتعقل حتى تصير ملكة راسخة، وأن يقتلع جذور التعصب من قلوب المتعلمين ويحبب إليهم الإنصاف فإن التعب يسبب تفريق الناس بعضهم عن بعض ويحجب العقول عن الحق، والإنصاف راحة لأنه يرفع الخلاف ويوجب الائتلاف.
المعلم كما يراه الغزالي:
قال الغزالي: " اعلم أن للإنسان في علمه أربعة أحوال كحاله في اقتناء الأموال، إذ لصاحب المال حال استفادة فيكون مكتسبا، وحال ادخار فيكون غنيا عن السؤال، وحال إنفاق على نفسه فيكون منتفعا، وحال بذل لغيره فيكون به سخيا متفضلا، وهي أشرف أحواله.