وهناك جانب آخر: وهو أن الصوم ليس بعاصم الإنسان من كل ما يشتهيه، وإنما هو معين على ذلك ومؤد إليه على الأكثر. فعلى المرء أن يعصم نفسه عن الزلل بإرادة قوية حازمة تردعه عن النظر إلى المحرمات وتناول ما لا يحل تناوله، فإن الاتجاه إلى المنهي عنه يسقطه ويخزيه. والعصمة والقوة من الله.
* * * وفي (قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).
اختصاص للمؤمنين، خصهم الله تعالى بشرف هذا الخطاب الكريم - على حين أن الحكم عام - تكريما لهم واعتناء بشأنهم، وإيماء إلى نفاسة هذه العبادة فلا يسعد بها إلا المؤمن المصدق.
ولفتا إلى اعتبار الإيمان في صحتها، وتحريضا واستحثاثا على الإقبال عليها واستساغتها. ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: (لذة هذا النداء أزال تعب العبادة والعناء).
وإن في الغاية التي لوحت إليها الآية الشريفة ما تستريح إليه نفس العارف دلالة ويملؤها إيمانا بأن الصيام من أشرف العبادات غاية، وأجلبها نفعا، وشرف العمل بشرف غايته.
يدك على هذا الطلب الجميل بهذا الأسلوب الفذ وهذه الصورة الرائعة أن الصوم جنة يتقى بها أسوأ الأضرار الدنيوية والأخروية على ما مر ذكره.
وعلى هذا اللحن يوقع الحديث النبوي (الصوم جنة). ذلك بما أنه رياضة عالية ودرس عملي يغذي الإرادة الإنسانية بالنشاط ويمدها بالقوة، ولقوة الإرادة إلى حد مكانتها من الكرامة، فتأخذ على يد الشهوات بيد حديدية،