رعيته بما يفعل، فإن منصبه يفرض عليه أن يخدمهم، ولو من عليهم لذهب جميل أثره من قلوبهم. وعليه أن يتجنب الكذب فيما يعطي من عهد والتزيد فيما يصف من عمل، فإن الكذب داعية المقت والتزيد أخو الكذب.
قال عليه السلام:
" وإن ظنت الرعية بك حيفا فأصحر لهم بعذرك، واعدل عنك ظنونهم بإصحارك، فإن في ذلك رياضة منك لنفسك، ورفقا برعيتك، وإعذارا تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق ". " وإياك والمن على رعيتك بإحسانك، أو التزيد فيما كان من فعلك، أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك، فإن المن يبطل الإحسان، والتزيد يذهب بنور الحق، والخلف يوجب المقت عند الله والناس، قال الله تعالى: " كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ".
وقد لاحظ ابن خلدون هذه الظاهرة فقرر في مقدمته ما يأتي:
" اعلم أن مصلحة الرعية في السلطان ليست في ذاته وجسمه من حسن شكله أو ملاحة وجهه أو عظم جثمانه أو اتساع علمه أو جودة خطه أو ثقوب ذهنه، وإنما مصلحتهم فيه من حيث إضافته إليهم، فإن الملك والسلطان من الأمور الإضافية وهي نسبة بين منتسبين، فحقيقة السلطان أنه المالك للرعية القائم في أمورهم عليهم، فالسلطان من له رعية، والرعية من لها سلطان، والصفة التي له من حيث إضافته إليهم هي التي تسمى (الملكة) وهي كونه يملكهم، فإذا كانت هذه الملكة وتوابعها من الجودة بمكان حصل المقصود من السلطان على أتم الوجوه، فإنها إن كانت جميلة صالحة كان ذلك مصلحة لهم، وإن كانت سيئة متعسفة كان ذلك ضررا عليهم وإهلاكا لهم. ويعود حسن الملكة إلى (الرفق) أي الإحسان، لأن الملك إذا كان قاهرا باطشا بالعقوبات، منقبا عن عورات الناس وتعديد ذنوبهم شملهم الخوف والذل ولاذوا منه بالكذب