بين الغني والفقير والمنعم والمحروم والواجد والفاقد، ونشبت الحروب العالمية الكبرى، وظهرت الشيوعية، وهجرت الحقيقة والفضيلة، وارتحلت الطمأنينة وطيب الحياة من بين النوع. وهذا ما نشاهده اليوم من فساد العالم الإنساني، وما يهدد النوع بما يستقبله أعظم وأفظع.
* * * قرأت (للمنفلوطي) الكاتب العبقري في (النظرات):
(مررت ليلة أمس برجل بائس فرأيته واضعا يده على بطنه كأنما يشكو ألما فرثيت لحاله، وسألته ما باله فشكا إلى الجوع، ففثأته عنه ببعض ما قدرت عليه، ثم تركته وذهبت إلى زيارة صديق لي من أرباب الثراء والنعمة فأدهشني أني رأيته واضعا يده على بطنه وأنه يشكو من الألم ما يشكو ذلك البائس الفقير فسألته عما به فشكا إلى البطنة، فقلت: يا للعجب لو أعطى ذلك الغني ذلك الفقير ما فضل عن حاجته من الطعام ما شكا واحد منهما سقما ولا ألما.
لقد كان جديرا به أن يتناول من الطعام ما يشبع جوعته ويطفئ غلته ولكنه كان محبا لنفسه، مغاليا بها، فضم إلى مائدته ما اختلسه من صحفة الفقير فعاقبه الله على قسوته بالبطنة حتى لا يهيئ للظالم ظلمه، ولا يطيب له عيشه، وهكذا يصدق المثل السائر (بطنة الغني انتقام لجوع الفقير). ما ظنت السماء بمائها، ولا شحت الأرض بنباتها، ولكن حسد القوي الضعيف عليهما فزواهما عنه واحتجبهما دونه، فأصبح فقيرا معدما شاكيا متظلما، غرماؤه المياسير الأغنياء، لا الأرض والسماء.
ليتني أملك ذلك العقل الذي يملكه هؤلاء الناس فأستطيع أن أتصور كما يتصورون حجة الأقوياء في أنهم أحق بإحراز المال وأولى بامتلاكه من الضعفاء إن كانت القوة حجتهم عليه، فلم لا يملكون بهذه الحجة سلب أرواحهم