الكثير، فإن النفس إذا حبست حتى إذا هاجت بها الشهوة وقويت لديها الرغبة أطعمت من اللذات وأشبعت من ألوان المطاعم، وقرب إليها ليلا ما أبعد عنها نهارا، زادت لذتها وتضاعفت قوتها، وربما انبعث فيها من الشهوة ما كان راكدا لو تركت على حالها فلا ينال ما هو المقصود من الصوم من تضعيف القوى الشهوية، وهي المرض الفاتك والداء العضال، وإلى ذلك يشير الحديث (صوموا تصحوا). (1) * * * (إن من يتأمل في قصة خلق آدم وحواء وخروجهما من الجنة، يجد أن شهوة البطن قد كانت هي أولى الشهوات التي سببت لهما كل ما حاق بهما حيث نهاهما ربهما عن الأكل من الشجرة فغلبتهما شهوة الأكل من الطعام الممنوع، فأكلا منه فبدت لهما سوآتهما، وتبع ذلك شهوة الجسم وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة.
وهكذا أصبحت شهوة البطن مصدرا الشهوات ومبعث الأدواء والآفات، ويتبعها شهوة النكاح، ثم الرغبة في المال والجاه، ومن هنا تتولد أنواع المفاسد والمنافسات، وينشأ الحسد والكبرياء والعداوة والبغضاء، إلى غير ذلك من السيئات التي يحركها إبليس في نفس الإنسان، ولا سبيل إلى مقاومته إلا عن طريق الجوع.
ولهذا عمل رسول الله (ص) على تربية قومه على التقليل من الأطعمة، لأن ذلك من شأنه أن يحدد القوى، ويضعف الشهوات التي تنشأ عنها المعاصي فكان يقول: (حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه). ويقول: (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع) وفي حديث (إن الشيطان ليجري في