ولابن أبي الحديد في هذا المعنى:
قد حار في النفس جميع الورى والفكر فيها قد غدا ضائعا وبرهن الكل على ما ادعوا وليس برهانهم قاطعا من جهل الصنعة عجزا فما أجدره أن يجهل الصانعا ونحن انسياقا مع الكلاميين والحكماء نضع خطوطا في تعريف هذه الظاهرة الشائكة، وما وقع فيها من تضارب وخلاف، قبل أن ندخل في صميم البحث، كي يتسنى لنا أن نتسلسل في البحث بشكل منهجي، ونضع المباحث التي يهمنا ذكرها في هذا الدرس في مواضعها الطبيعية من غير أن يختل منهج البحث، ومن دون أن يفوتنا جانب من الحديث فيما نتعرض له من جوانب هذه الدراسة.
مصدر النفس نقصد من هذه الكلمة أن ننظر إلى النفس من حيث مصدرها. أو بالأصح من حيث هي نظرة إجمالية لا تبتني على الأقيسة ومقدماتها، بل على شئ أدل وأقوى منها ومن الحواس والتجربة في أي شئ آخر. وذلك بإلقاء أسئلة تكمن في أعماق النفس، ويتطلب الجواب عنها كل من يملك الاحساس والإدراك، وهذا طرف منها:
أين كانت الروح قبل اتصالها بالبدن؟ وإلى أين تذهب بعد انحلاله؟ ومن الذي أعطاها له، ثم سلبها منه؟ وكيف حوت طاقات جبارة تستوعب إدراك الكون، وترقى بها إلى أقصى الكواكب، وتكتشف المجهول، وتتذكر الماضي، وتضع تصميم المستقبل؟ وكيف اتصلت بالطبيعة وانفصلت عنها في آن واحد، إلى عشرات الأسئلة التي لا تجد لها.