أحببته وعملت به إلى يوم أجلى، ولا يبلغني أنه أبغض شيئا إلا أبغضته وهجرته إلى يوم أجلى وقد أنبئت أن الله يحب العدل في عباده ويبغض الجور، فويل للظالم من سوطي وسيفي، ومن ظهر منه العدل من عمالي فليتكئ في مجلسي كيف شاء وليتمنى على ما يشاء فلن تخطيه أمنيته والله المجازي كلا بعمله) كم يرى المرء في هذه الحياة من جمال ساحر، ويتعشق من نظام بديع فاتن، ولكن لم يبصر يوما أجمل من العدل ولم يتعشق كتعشقه للوفاء والرحمة والصدق.
وكم ينتاب الشعوب مر الألم، وينزل بها عظيم الخطوب، فلم تتوجع لذلك النفوس، وتتألم الأفئدة كتألمها من الغدر.
العدل منبع الحرية الصافي، ونور المدنية الوهاج، على أساسه يبنى الملك ويقوى السلطان، فهو سر نظام الأمم، ورمز نجاحها وتقدمها. فما سطعت شمسه على شعب إلاهام في سماء الطمأنينة ورتع في بحبوحة الرخاء، وما غربت شمسه عن أمة إلا اندك صرح مجدها وتقوض بنيان عزها. قال تعالى: (ألم تر كيف فعل ربك بعاد! إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد، وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم ربك سوط عذاب، إن ربك لبالمرصاد).
فأي أمة تجردت من العدل، وتسربلت برداء الظلم والغدر، تلك هي الأمة الهمجية والشعب المتوحش، تلك هي الأمة الساقطة والشعب السافل.
تلك هي الأمة التي قدر لها العار في الحياة، والويل في الممات.
(ولما فتح السلطان (هولاكو) بغداد سنة ست وخمسين وستمائة. أمر أن يستفتى العلماء أيما أفضل، السلطان الكافر العادل، أو السلطان المسلم الجائر ثم جمع العلماء بالمستنصرية لذلك، فلما وقفوا على الفتيا أحجموا عن الجواب وكان