وكان في وسط قصره بركة عظيمة لها مخترق إلى الماء في دجلة، وفي المخترق شباك حديد، فسلمت عليه وهو مقبل على الماء والخدم والغلمان قد انتشروا إلى تفتيش الماء وهو كالواله، فقال لي: (وقد ثنيت بالسلام وكررت) لا تؤذوني فمقرطتي قد ذهبت في البركة إلى دجلة. (والمقروطة سمكة كانت قد صيدت له وهي صغيرة فقرطها حلقتين من ذهب فيهما حبتا در) قال: فخرجت وأنا مؤيس من فلاحه، وقلت لو ارتدع من وقت لكان هذا الوقت). (قال الفضل بن الربيع (أيام الرحب بين الأمين والمأمون) في كلام يذكر فيه الأمين ويصفه بالعجز: ينام نوم الظربان وينتبه انتباهة الذئب، همه بطنه ولذته فرجه، لا يكفر في زوال نعمة ولا يروي في إمضاء رأي ولا مكيدة، قد شمر له عبد الله عن ساقه وفوق له أشد سهامه، يرميه على بعد الدار بالحتف النافذ والموت القاصد، قد عبأ له المنايا على متون الخيل، وناط له البلايا بأسنة الرماح وشفار السيوف، فكأنه هو قال هذا الشعر، ووصف به نفسه وأخاه:
يقارع أتراك ابن خاقان ليله * إلى أن يرى الأصباح لا يتلثم فيصبح من طول الطراد وجسمه * نحيل وأضحى في النعيم أصمم وهمي كأس من عقار وقينة * وهمته درع ورمح مخذم فشتان ما بيني وبين ابن خالد * أميته في الرزق الذي الله يقسم) (1) وكان المستعصم (آخر الخلفاء العباسيين) شديد الكلف باللهو واللعب وسماع الأغاني، لا يكاد مجلسه يخلو من ذلك ساعة واحدة، وكان ندماؤه وحاشيته جميعهم منهمكين معه على التنعم واللذات، لا يراعون له صلاحا. وفي بعض الأمثال: (الخائن لا يسمع صياحا) وكتبت له الرقاع من العوام وفيها (1) الرابع من شرح ابن أبي الحديد.