ألا يحق لهذا العظيم القدير أن يهلك من أنكر عظمته وقدرته، فيأتيهم العذاب بغتة وهم لا يشعرون، فيهلك كل متنفس عليها وتبيد هي بأهلها.
ما شأن من تجرأ على جبار السماوات والأرض الذي من عليه بالنعم الكثيرة، فأنكرها وأحل الصدفة محلها (وهي اللفظ المجهول المعنى).
أليس من يقف على معمل دقيق، يرمى بالجنون إذا قال: إنه كون بالصدفة وليس من عمل قاصد مريد قادر عالم، علم الغاية فدبر لها ما يوجدها بقدرة؟! فكيف بمن وقف على المعمل الدقيق العجيب الصنع، البديع الغريب المتقن في بدن كل إنسان، ثم يحكم أن ذلك وجد لا عن قصد وإرادة وعلم، بل بالصدفة.
إن كانت هناك صفة أنكى من الجنون، أو حالة أشد بهمة من الظلمة، يجب أن ننسبها لأولئك الذين سموا أنفسهم علماء وحكموا بهذه الآراء السخيفة التي يردها الوجدان قبل البرهان، والحس قبل الحدس.
كيف ينكر صنع الله تعالى وتدبيره وتقديره وإرادته في بدن الإنسان؟
وفية ألوف الملايين من الدلائل على الإرادة والقصد لوجود الأعمال الغائية في أدق أجزاء هذا البدن.
إن الدم يشتمل في كل بدن على ما يزيد على (400) ألف مليون كرية حمراء وبيضاء، وإن كل كرية بأعمالها الدقيقة تدل على إرادة مكونها حيث قصد من الكرية الحمراء نقل (الأوكسجين) من الفضاء - بواسطة التنفس إلى البدن، ودفع ما تخلف في البدن من ثاني (أوكسيد الكاربون) إلى الخارج وكل كرية من الكريات البيض مستعدة لأن تصطف مع أخواتها، وتنظم أفواجا وتشكل جيشا جرارا داخل البدن لمحاربة ما يهاجمه من عدو داخل أو خارج، كمرض أو سقطة أو ضربة أو غيرها...