ونقدم هذا الدرس البليغ من باب مدينة العلم إلى الذين يزكون أنفسهم ويستنكفون عن الاصغاء إلى النصيحة والإرشاد. ومهما شككت في شئ فإني لا أشك في أن من يدعى أنه أعلم الناس في زمانه لا يستطيع أن ينظر إلى شئ بعين الواقع، أو يأتي بخير ما دام معتقدا بأن علمه بما هو - ويصرف النظر عن أي أثر - هو أعظم الأعمال وأجلها. وأنه يجب أن يكون المطلب الأخير للانسانية جمعاء.. ومن كانت هذه حاله فمحال أن يقبل النصح، والتحول عن رأيه..
فالأولى أن يترك وشأنه، ونتجاهل مكانه.. وأقسم أني ما نظرت إلى واحد من المتعالين الذين عرفتهم إلا شعرت بأني أنظر إلى خرافة القرن العشرين، إلى من خلع إنسانيته ووجوده، وذهل عن نفسه، وعاش في عالم لا وجود له إلا في وهمه ومخيلته.. وهنا تكمن الأعجوبة والخرافة). (1) ومن كلام الحكماء: قلوب الرعية خزائن واليها، فما أودعه فيها وجده. وكان يقال: صنفان متباغضان متنافيان، السلطان والرعية، وهما مع ذلك متلازمان، إن صلح أحدهما صلح الآخر، وإن فسد فسد الآخر وكان يقال: محل الملك من رعيته محل الروح من الجسد، ومحل الرعية منه محل الجسد من الروح، فالروح تألم بألم كل عضو من أعضاء البدن وليس كل واحد من الأعضاء يألم بألم غيره، وفساد الروح فساد جميع البدن، وقد يفسد بعض البدن وغيره من سائر البدن صحيح.
وكان يقال: ظلم الرعية إستجلاب البلية. وكان يقال: العجب ممن استفسد رعيته وهو يعلم أن عزه بطاعتهم. وكان يقال: موت الملك الجائر خصب شامل. وكان يقال: لا قحط أشد من جور السلطان. وكان يقال: قد تعامل الرعية المشمئزة بالرفق فتزول أحقادها ويذل قيادها، وقد تعامل