صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين، إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم).
وطيف إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) يرفعان القواعد من البيت في إنابة وخشوع: (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك، وأرنا مناسكنا وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم).
وتظل هذه الأطياف وتلك الذكريات، ترف وتتتابع حتى يلوح طيف عبد المطلب، وهو ينذر دم ابنه العاشر إن رزقه الله عشرة أبناء، وإذا هو عبد الله، وإذا عبد المطلب حريصا على الوفاء بالنذر. وإذا قومه من حوله يعرضون عليه فكرة الفداء، وإذا هو يدير القداح حول الكعبة ويضاعف الفداء، والقداح يخرج في كل مرة على عبد الله، حتى يبلغ الفداء مئة ناقة بعد عشر، هي الدية المعروفة. فيقبل منه الفداء، فينحر المئة وينجو عبد الله.
ينجو ليودع رحم آمنة أطهر نطفة وأكرم خلق الله على الله (محمد رسول الله (ص) ثم يموت فكأنما فداه الله من الذبح لهذا القصد الوحيد الكريم الكبير.
ثم تتواكب الأطراف والذكريات، من محمد رسول الله (ص) وهو يدرج في طفولته وصباه فوق هذا الثرى، حول هذا البيت... وهو يرفع الحجر الأسود بيديه الكريمتين فيضعه موضعه ليطفئ الفتنة التي كادت تنشب بين القبائل.. وهو يصلي ويطوف.. وهو يخطب.. وهو يعتكف.. وإن خطواته (عليه الصلاة والسلام) لتنبض حية في الخاطر، وتتمثل شاخصة في الضمير. يكاد الحاج هناك يلمحها وهو مستغرق في تلك الذكريات.. وخطوات الحشد من صحابته الكرام،. وأطيافهم ترف وتدف فوق هذا الثرى، حول ذلك البيت، تكاد تسمعها الأذن، وتكاد تراها الأبصار.