تدابرا وتقاطعا وتغالبا على الملك، وتفاخرا بالمال والجند، حتى ينسوا بذلك أضغانهم عليك وأوتارهم فيك، ويعود حربهم لك حربا بينهم، وحنقهم عليك حنقا منهم على أنفسهم، ثم لا يزدادون في ذلك بصيرة إلا أحد ثوا لك بها استقامة، إن دنوت منهم دانوا لك، وإن نأيت عنهم تعززوا بك، حتى يثب من ملك منهم على جاره باسمك، ويسترهبه بجندك، وفي ذلك شاغل لهم عنك وأمان لأحداثهم بعدك، وإن كان لا أمان للدهر ولا ثقة بالأيام. قد أديت إلى الملك ما رأيته لي حظا، وعلي حقا من إجابتي إياه إلى ما سألني عنه ومحضته النصيحة فيه - والملك أعلى عينا وأنفذ روية وأفضل رأيا وأبعد همة، فيما استعان بي عليه وكلفني بتبيينه والمشورة عليه فيه، لا زال الملك متعرفا، من عوائد النعم وعواقب الصنع وتوطيد الملك وتنفيس الأجل ودرك الأمل، ما تأتي فيه قدرته على غاية قصوى ما تناله قدرة البشر، والسلام الذي لا انقضاء له ولا انتهاء ولا غاية ولا فناء، فليكن على الملك.
قالوا: فعمل الملك برأيه واستخلف على إيران شهر أبناء الملوك والعظماء من أهل فارس فهم ملوك الطوائف الذين بقوا بعده والمملكة موزعة بينهم إلى أن جاء أردشير بن بابك فانتزع الملك منهم) (1) وأما الخصال التي من المستحسن أن تكون معدومة في السلطان فقد ذكرها ابن المقفع في كلام له قال:
(ليس للسلطان أن يغضب، لأن القدرة وراء حاجته. وليس له أن يكذب، لأنه لا يقدر أحد على إلزامه بغير ما يريد. وليس له أن يبخل، لأنه أقل الناس عذرا في خوف الفقر. وليس له أن يكون حقودا، لأن قدره قد عظم عن المجازاة لأحد على إساءة صدرت منه وليس له أن يحلف إذا حدث، لأن الذي يحمل الإنسان على اليمين في حديثه خلال: إما مهانة