رضي الدين (علي بن طاووس) حاضرا هذا المجلس، وكان مقدما محترما، فلما رأى إحجامهم تناول الفتيا، ووضع خطه فيها، بتفضيل العادل الكافر على المسلم الجائر، فوضع الناس خطوطهم بعده. (1) ولا غرابة في ذلك بعد ما روي عن سيد الكائنات من جوامع كلمه:
(يبقى الملك بالعدل مع الكفر ولا يبقى بالجور مع الإيمان).
ومنها (العلم):
وهو ثمرة العقل، وبه يستبصر السلطان فيما يأتيه ويذره، ويأمن الزلل في قضاياه وأحكامه، وبه يتزين في عيون العامة والخاصة.
قال بعض الحكماء: السلطان إذا كان خلوا من العلم كان كالفيل الهائج لا يمر بشئ إلا خبطه، ليس له زاجر من عقل، ولا رادع من علم.
وليس المراد بالعلم في السلطان هو تصور المسائل المشكلة، والتبحر في غوامض العلوم والاغراق في طلبها، وإنما المراد من العلم هو أن يكون له أنس بها، بحيث يمكنه أن يفاوض أربابها فيها مفاوضة يندفع بها الحال الحاضر ولا ضرورة في ذلك إلى التدقيق.
وتختلف علوم السلاطين باختلاف آرائهم. فأما سلاطين الفرس فكانت علومهم حكما ووصايا، وآدابا وتواريخ وهندسة وما أشبه ذلك. وأما علوم سلاطين الإسلام فكانت علومهم اللسان: كالنحو واللغة والشعر والتواريخ، حتى أن اللحن كان عندهم من أفحش عيوب السلطان. وكانت منزلة الإنسان تعلو عندهم بالحكاية الواحدة، وبالبيت الواحد من الشعر، بل باللفظة الواحدة من اللغة وأما في الدولة المغولية فرفضت تلك العلوم كلها، ونفقت فيها علوم أخر: وهي علم السياسة والحساب لضبط المملكة، وحصر الدخل والخرج والطب لحفظ الأبدان والأمزجة، والنجوم لاختبار الأوقات. وما عدا ذلك من