الجد حين يلتذ الهزل والعمل بالحزم وادراع الصبر بالقضاء. وكان يقال خير الملوك من أشرب قلوب رعيته محبته كما أشعرها هيبته، ولن ينال ذلك منها حتى تظفر منه بخمسة أشياء: إكرام شريفها ورحمة ضعيفها وإغاثة لهيفها وكف عدوان عدوها وتأمين سبل رواحها وغدوها، فمتى أعدمها شيئا من ذلك فقد أحقدها بقدر ما أفقدها.
وكان يقال: الأسباب التي تجر الهلك إلى الملك ثلاثة: أحدها من جهة الملك، وهو أن تتأمر شهواته على عقله فيستهويه نشوات الشهوات فلا تسنح له لذة إلا اقتضها، ولا راحة إلا افترصها. والثاني من جهة الوزراء وهو تحاسدهم المقتضي تعارض الآراء، فلا يسبق أحدهم إلى حق إلا كويد وعورض وعوند. والثالث من جهة الجند المؤهلين لحراسة الملك والدين وتوهين المعاندين، وهو نكولهم عن الجلاد وتضجيعهم في المناصحة والجهاد، وهم صنفان: صنف وسع الملك عليهم فأبطرهم الإتراف وضنوا بنفوسهم عن التعويض للاتلاف. وصنف قدر عليهم الأرزاق فاضطغنوا الأحقاد واستشعروا النفاق.
فالسلطان: زمام الأمور، ونظام الحقوق، وقوام الحدود، والقطب الذي عليه مدار الدنيا.
وهو حمى الله في بلاده، وظله الممدود على عباده، به يمتنع حريمهم وينتصر مظلومهم، وينقمع ظالمهم، ويأمن خائفهم.
قالت الحكماء: (إمام عادل خير من مطر وابل، وإمام غشوم خير من فتنة تدوم). ولما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن. وفيما أنزل الله تعالى على نبيه داود عليه السلام: (إني أنا الله مالك الملوك قلوب الملوك بيدي، فمن كان لي على طاعة جعلت الملوك عليهم رحمة، ومن كان لي على معصية جعلت الملوك عليهم نقمة، فحق على من قلده الله أزمة حكمه، وملكه أمور خلقه،