لفظ الحسام فيقول: " من خط وعام ورمى بالسهام فهو نعم الغلام " وليس من فرق في تحري الحقيقة بين الرمي بالسهم والضرب بالسيف، لأن كلا منهما رمي للقوة والدفاع.
على أن للانتضال، أي الرمي بالسهام، ميزة على الضرب بالحسام هي أن القتال دون ما اشتباك يخفف وطء التقتيل بين المتحاربين، لأن الاشتباك يوشك أن يكون بين المشتبكين دمارا، ولهذا كانت خطط الحروب فيما بعد الرمي أولا وقبل كل شئ، فلم يخترعوا البنادق والمدافع والقنابل ثم الصواريخ إلا ليتفادوا هذا الاشتباك الذي يحيل الأرض بالمعارك إلى بحار من الدماء تهدر فيما كرامة الإنسانية، ولقد أصبح الآن مجتمع هذا الإنسان الوحشي يستطيع أن يمحو خصمه من الوجود وهو في بيته من وراء الأسلحة النورية المدمرة.
فالكتابة ليست كما كنا نفهم في عهد الخمول، وكما كان يفهم آباؤنا السادرون في تأخرهم بعد أن نبذوا تعاليم الله على لسان رسوله، كانوا يفهمون من الكتابة أنها تحبير الكلام على الطروس، والافتنان في جودة الخط وتزويقه ولكنها العلم الذي علمنا الله تعالى شأنه فنونه وأساليبه بالقلم الذي هو عنوان التدوين والتحبير المفضيين بنا إلى علوم الحياة وليست السباحة كما نفهم من أنها عصمة الإنسان من الغرق إذا ركب البحر، ولكنها إلى ذلك، دفع بنا إلى استقصاء الأعماق في قعر البحار، لاستخراج الكنوز والاطلاع في أغوارها على عجائب خلق الله، ثم ليست الرماية كما نفهم ويفهم آباؤنا، من أنها إحكام وضع السهام في القسي ثم إطلاقها على العدو، ولكنها إلى ذلك رمز للقوة التي صرح بها الرسول (ص) في مطلع هذا البحث، ثم تطورت بعد ذلك إلى فنون من القوة والبأس العام في عهدنا الحاضر، وحتى أصبحت الرماية مصدر السلام كما أنها مصدر الدمار.