وهكذا نصل إلى توضيح ما مر من أنها قوة مادية كما أسلفنا، وهي أيضا قوة معنوية يقصد منها التسديد إلى الهدف وإصابة الصميم في كيانه، سواء في ذلك تسديد اللسان أو الفكر أو العقل في مجال العلوم والفنون والآداب، ولهذا نطلق على أقوال الرسول أنها الكلم الجوامع، فالكلمة الجامعة هي التي لا تقف عند حدود الأفهام المحدودة بزمان ولا مكان، وإنما هي مرآة للحياة منذ كانت إلى أن تزول، تتلون بألوانها، وتتشكل بأشكالها. فدين محمد ليس قاصرا على زمان محدود ولا مكان محدود، ولا محصورا في ناحية من نواحي الحياة، وإنما هو سجل لأحداثها وتفادي السئ منها والاعتصام بالحسن من أدوارها، وليس عن عبث قال الفقهاء الأولون: " حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة ".
ولنعد إلى صميم الحديث الذي توجنا به هذا البحث فنقول: هل المقصود بقوله (ص): " حق الولد على الوالد... إلخ " الحصر والقصر، وأن ليس للولد حق على والده بعد هذا؟؟، وهل هذا الحق لازم في عنق الأب لزوم الواجب الفرض؟؟ الظاهر أنه من المستحب المؤكد ما عدا العلم، فتعليم الآباء للأبناء فرض عليهما معا، أي أن على الآباء أن يعلموا، وعلى الأبناء أن يتعلموا، وهذا فيما يختص بالكتابة المكنى بها عن العلم، والقرآن الكريم والسنة الشريفة مشحونان بالحث على العلم وجوبا لا استحبابا.
أما السباحة فهي من لوازم العلم وتأتي عنه بغير إيجاب، وأما الرماية فإذا اعتبرانا قوله (ص): " ألا إن القوة الرمي " هي عين القوة المفروضة علينا في الفرقان الأعظم بقوله عز من قائل: " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " إذا اعتبرنا أن الرسول يشير إلى تأكيد هذا الأمر فهي واجبة، وإن اعتبرنا أن قوله صلوات الله عليه: من قبيل الحث والتحريض بإلحاق الرمي في القوة، وهو