فيه شك ولا ارتياب بأنكم ظلمتوهم وتعديتم عليهم، وأن ترفعوا فحطوا منهم ولا ترقوا للمتجاسرين منهم برقة للآباء، ولا تحبوهم محبة ذوي الأنساب منكم بل أدبوهم كالغرباء منكم، ومن أول ابتداءكم بهم خذوا في رياضتهم، وإن أحد من أهلهم وأقاربهم منعوكم تأديبهم وسألوكم أن ترحموهم وترقوا لهم فأخرجوهم من عندكم، ولا يكن تقويمكم لهم وضربكم إياهم عن غضب وهياج.
ولا تتركوهم إهمالا لقلة عنايتكم بهم، ولا تتركوهم من غير حد تعرفونه لأنفسهم، ولا تنسوا التعليم الروحاني من قبل الكرامة العالية، وداووهم إذا احتاجوا إلى الأدوية الملطفة حتى تصفوا أذهانهم ليكون لهم بما تفيدونهم من علومكم شرف وافتخار، وعودوهم الاحتماء من الأطعمة الضارة، وعودوهم ألا يأكلوا إلا في أوقات معلومة محدودة من أطعمة لطيفة، وحذروهم الشره والسكر والخروج عن الاعتدال في كل ما يصلح ويشاكل حالة علمهم وامنعوهم من النظر الشهواني المردي، وأقيموا عليهم رئيسا منهم يشرف عليهم وليكن متقدما، غنيا كان أو فقيرا، جميلا كان أو قبيحا، ولا تنظروا إلى حسن الوجه مع قبح السيرة، بل انظروا إلى حسن العقل.
وليكن المدبر لهؤلاء الأحداث موثوقا به ذكيا عالما مهيبا غير معروف بسوء اللقاء وقبح المعاملة وفساد السيرة، ولا تصبحوا المعروفين بالأفعال القبيحة وتباعدوا منهم.
وقابلوا كل من تؤدبونهم بما يشاكلهم من التأديب، ولا يكن تأدبيكم لهم بغير تمييز وترتيب. حملوهم ما يقوون عليه من التأديب، ولا تميتوا قلوبهم بالإلحاح عليهم وتجشيمهم ما لا يقوون عليه، وأقيموا عليهم منهم رؤساء ألوف، ورؤساء مئين، ورؤساء خمسين، ورؤساء عشرة، وكل واحد منهم يأمر تلاميذه وينهاهم. ومتى زال رئيس منهم عما تأدب به وأدبهم ولم يستعمل ما