التصدي لرتبة قبل استحقاقها والتشاغل بعلم خفي قبل الفراغ من الجلي. ثم ينبهه على أن الغرض من طلب العلم القرب من الله دون الرياسة والمباهاة والمنافسة وأن يقبح ذلك في نفسه بأقصى ما يمكن، فليس ما يصلحه العالم الفاجر بأكثر مما يفسده. فإذا تعلم الطالب وقصده الدنيا فلا بأس أن يتركه، فإنه يثمر له طمعا في الوعظ.
الشرط الرابع: وهو من دقائق صناعة التعليم: أن يزجر المعلم المتعلم عن سوء الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ولا يصرح، وبطريق الرحمة لا بطريق التوبيخ، فإن التصريح يهتك حجاب الهيبة ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف ويهيج الحرص على الإصرار: إذ قال رسول الله (ص): - وهو مرشد كل متعلم - " لو منع الناس عن فت البعر لفتوه، وقالوا ما نهينا عنه إلا وفيه شئ ". ولأن التعريض أيضا يميل النفوس الفاضلة والأذهان الذكية إلى استنباط معانيه، فيفيد فرح التفطن لمعناه رغبة في العلم به ليعلم أن ذلك مما لا يعزب عن فطنته.
الشرط الخامس: أن المتكفل ببعض العلوم ينبغي ألا يقبح في نفس المتعلم العلوم التي وراءه: كمعلم اللغة إذ عادته تقبيح علم الفقه، ومعلم الفقه عادته تقبيح علم الحديث والتفسير، فهذه أخلاق مذمومة للمعلمين ينبغي أن تجتنب، بل المتكفل بعلم واحد ينبغي أن يوسع على المتعلم طريق التعلم في غيره والمتكفل بعلوم ينبغي أن يراعي التدريج في ترقية المتعلم من رتبة إلى رتبة.
الشرط السادس: أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه، فلا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله فينفره أو يخبط عليه عقله اقتداء في ذلك بسيد البشر (ص) حيث قال: " نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، ونكلمهم على قدر عقولهم ".