فليبث إليه الحقيقة إذا علم أنه يستقل بفهمها. وقال (ص): " ما أحد يحدث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم ". وقال علي (رضي الله عنه) وأشار إلى صدره: " إن ههنا لعلوما جمة لو وجدت لها حملة " وصدق (رضي الله عنه) فقلوب الأبرار قبور الأسرار، فلا ينبغي أن يفشي العالم كل ما يعلم إلى كل أحد.
هذا إذا كان يفهمه المتعلم ولم يكن أهلا للانتفاع به فكيف فيما لا يفهمه ولذلك قيل: " كل لكل عبد بمعيار عقله، وزن له بميزان فهمه حتى تسلم منه وينتفع بك، وإلا وقع الإنكار لتفاوت المعيار ".
وسئل بعض العلماء عن شئ فلم يجب فقال السائل أما سمعت رسول الله (ص) قال: " من كتم علما نافعا جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار " فقال:
أترك اللجام واذهب، فإن جاء من يفقه وكتمته فليلجمني، فقد قال تعالى:
" ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " تنبيها على أن حفظ العلم ممن يفسده ويضره أولى وليس الظلم في إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم في منع المستحقين.
الشرط السابع: أن المتعلم القاصر ينبغي أن يلقى إليه الجلي اللائق به ولا يذكر له وراء هذا تدقيقا وهو يدخره عنه، فإن ذلك يفتر رغبته في الجلي ويهوش عليه قلبه، ويوهم إليه البخل به عنه، إذ يظن كل أحد أنه أهل لكل علم رقيق، فما من أحد إلا وهو راضي عن الله سبحانه في كمال عقله. وأشدهم حماقة وأضعفهم عقلا هو أفرحهم بكمال عقله، وبهذا يعلم أن من تقيد من العوام بقيد الشرع ورسخت في نفسه العقائد المأثورة عن السلف من غير تشبيه ولا تأويل وحسنت مع ذلك سريرته، ولم يتحمل عقله أكثر من ذلك، فلا ينبغي أن يهوش عليه اعتقاده، بل ينبغي أن يخلى وحرفته، فإنه لو ذكر له تأويلات الظاهر انحل عنه قيد العوام، ولم يتيسر قيده بقيد الخواص فيرتفع