يجب عليه مما يوصيهم به فلينح ذلك الرئيس منهم عن مرتبته وليقم فيها غيره، فليس من الحزم أن يوثق بخائن ولا كاذب، ولا يقبل اعتذار ممن يقتل النفس عامدا، فإن أخطأ حدث ممن يسمع التأديب أو زل غفرت زلته، واحتمل دفعتين أو ثلاثا فإن عاد بعد الثلاث نحي عن جملة المتأدبين وحجر لئلا يفسد سائر من يروم التأديب.
أيها الإخوة المحبون للعلم اسمعوا واحفظوا وصاتي فإني كاتب لكم مقالة سهلة أبين لكم المدخل إلى العلم بكل صناعة شريفة يتنعم بها كل محب متعلم:
فأول ذلك أن تكونوا طاهرين لا عيب فيكم قبل أن تشرعوا في هذا العلم، فإنه يجب ألا تتقرب الأشياء الطاهرة إلى الأشياء الدنسة، ولا الأشياء الدنسة إلى الأشياء الطاهرة، ولا يقرب ذوو العيب الدنس من المبرأ، ولا المبرأ من الدنس وليعلم أنه لا يستطيع مكيال من ماء عذب صاف لطيف أن يقاوم جب خمأة منتنة لا قبح أقبح بالعاقل من أن يسم نفسه عند الناس بالعقل ويأمرهم به وهو خلو منه صفر الأدب مرتكب للمأثم. إن الحكمة التشبه بالله عز وجل وهو المعلم للحكمة والمرشد إلى الأفعال الجميلة الفاضلة الموفق لها.
إياكم والحسد فإنه المفرق المشتت، وليتواضع بعضكم لبعض. تساووا في المحبة الكاملة. أسلموا نفوسكم لله وللعقلاء الكاملين الذين يستحقون الرياسة بأفعالهم واقتصادهم وقناعتهم، ولا تتكلوا على المفتخرين بالآباء الذين لم يؤدبوهم بأدب النفس ولزوم ما وجب عليهم، أولئك حزب الظلمة وأعداء الحكمة ومصيدة الشياطين، والهرب منهم والتباعد عنهم أولى.
وليجعل كل واحد منكم صاحبه كنفسه، وليحفظ كل واحد منكم صاحبه حتى يكون بعضكم حافظا لسر بعض.