على الأدب دون أن أحوج غيري إلى تأديبي وتقويمي، فإن آية العقل أن أقيم نفسي مقام الممتحن لها وعليها، فإذا فعلت ذلك كنت من الذين قومهم الأدب.
أقر أني لا أعرف نفسي فإني لست بالحكيم ولا المستقل بالتعليم، لأني إلى هذه الغاية متعلم وطالب حكمة، فليت شعري من الكاتب البليغ الذي يأتي بعدي؟ ومن الواضع للسنن الذي جاد طبعه وكرم أصله؟ والذي يحسن أن يكون وساطة بين الأستاذين والمدرسين، وأن يقنع الفريقين معا فيرضي الطبقة العالية، ويؤدب الطبقة التي دونها من غير أن يتعسف من الأولين ولا يكون بذيئا مع الآخرين؟ أيها المعلمون، افهموا عني ما أوصيكم به وأرسمه لكم لتكن سيرتكم مع تلاميذكم سيرة مستقيمة بلا زيادة ولا نقصان، وبالله المنشئ لكل أدب وعلم أستحلفكم وأقسم عليكم ألا تتجاوزوا الحدود. اعرفوا عاداتكم واحفظوا درج مراتبكم، وكونوا لهؤلاء التلاميذ مرآة صافية مضيئة فكونوا دليلا لمروءتهم ليتأدبوا بالمروءة، وأبعدوهم من كل لائمة قبيحة، وامتنعوا من الشهوات المذمومة ومن أفعال الخطايا ولا تضنوا بحسن مناظرتهم ولا تقربوا شيئا يلحقكم منه عذل، ولا تكونوا سببا لعادة مذمومة يجترئ عليكم بها تلاميذكم، ولا تتكلموا بشئ يكره بين أيديهم، ولا يكونن لكم معهم سر ولا خلوة، فإذا أدبتموهم فلا تكلموهم بكلام يكون مستورا عن جماعة من بحضرتكم، ولا تهذبوهم بالخدع، ولا تتقربوا إليهم بالهبات والصلات، وعاملوهم بحسب استحقاقهم، وعلموهم ألا ينحطوا عن مراتبهم من العلم فتنحطوا أنتم عن مراتبكم في التعليم لهم، ولا تحفلوا بالظل الزائل ولا باللذة التي لا دوام لها فتفسدوا إخلاص أنفسكم ورياسة تعليمكم، واستحيوا منهم، وتصونوا وتوقروا وتحفظوا أنتم وتلاميذكم أيضا بالوصايا المرتفعة عن كل طعن وقدح، ولا تؤدبوهم بالأدب إلا في موضعه وعلى حقيقته من حيث لا يلحقكم