فكذلك العلم يقتنى كما يقتنى المال: فله حال طلب واكتساب وحال تحصيل يغني عن السؤال، وحال استبصار وهو التفكير في المحصل والتمتع به وحال تبصير وهو أشرف الأحوال.
فمن علم وعمل وعلم فهو الذي يدعى عظيما، فإنه كالشمس تضيئ لغيرها وهي مضيئة في نفسها، وكالمسك الذي يطيب غيره وهو طيب.
والذي يعلم ولا يعمل به كالدفتر الذي يفيد غيره، وهو خال عن العلم وذبالة المصباح تضيئ لغيرها وهي تحترق كما قيل:
ما هو إلا ذبالة وقدت * تضيئ للناس وهي تحترق ومن اشتغل بالتعليم فقد تقلد أمرا عظيما وخطرا جسيما فليحفظ شرائطه الشرط الأول: الشفقة على المتعلمين، وأن يجريهم مجرى بنيه، قال رسول الله (ص): " إنما أنا لكم مثل الوالد لولده " فيقصد إنقاذهم من نار الآخرة، وهو أهم من إنقاذ الوالدين ولدهما من نار الدنيا، ولذلك صار حق المعلم أعظم من حق الوالدين، فإن الوالد سبب وجود الحاضر والحياة الفانية، والمعلم سبب الحياة الباقية، ولولا المعلم لانساق ما حصل من جهة الأب إلى الهلاك الدائم، وإنما المعلم هو المفيد للحياة الأخروية الدائمة إذا علم علوم الآخرة، أو علوم الدنيا على قصد الآخرة، وإلا فهو هلاك وإهلاك نعوذ بالله منه. والذين يطلبون الرياسة بالعلوم خارجون عن موجب قوله تعالى " إنما المؤمنون أخوة " وداخلون في مقتضى قوله تعالى: " الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ".
الشرط الثاني: أن يقتدي بصاحب الشرع (صلوات الله وسلامه عليه) فلا يرى لنفسه على المتعلمين منة وإن كانت المنة لازمة عليهم.
الشرط الثالث: ألا يدع من نصح المتعلم شيئا: وذلك أن يمنعه من