فكل ذلك يدل على أن إسلام أبي بكر كان بعد الفترة السرية وبتعبير أدق بعد (فترة الدعوة الاختيارية، وغير المفروضة) التي استمرت ثلاث أو خمس سنوات.
وبعد أن أنذر عشيرته الأقربين، وبعد أن أمر بالصدع بالامر، ودعرة الناس عامة.
وبعد تكفيره للآباء والأمهات.
وبعد عرض قريش على أبي طالب أن يقنع ولده بالعدول عن هذا الامر.
وبعد عرضهم عليه ولدا آخر على أن يخلي بينه وبينهم.
وبعد وقوع المواجهة بين قريش وبينه، ثم قيام أبي طالب دونه، ولولا انتظارهم لأبي بكر ما انتظروا به. وكل ذلك يدل على أن إسلامه قد تأخر إلى السنة الرابعة أو الخامسة إن لم يكن بعد ذلك أيضا، فقد قال أبو القاسم الكوفي: إن أبا بكر قد أسلم بعد سبع سنين من البعثة (1).
ولربما يكون ذلك صحيحا أو قريبا من الصحيح، إذا أخذنا بالروايات المتقدمة الدالة على أنه قد أسلم بعد اشتداد المواجهة بين الرسول وبين المشركين، وقيام أبي طالب دونه، وبعد أكثر من خمسين رجلا، فلربما يكون المراد بالخمسين هو خصوص من أسلم بعد الاعلان بالدعوة. أو بعد الهجرة إلى الحبشة.
وهكذا يتضح أن القول بأن أبا بكر هو أول من أسلم لا يمكن إلا أن يكون من القول الجزاف، والدعوى الفارغة، ومن المختلقات التي افتعلت في وقت متأخر.