تخفف عنه بعض ما يعانيه من آلام، نتيجة حر منطقته، ثم هو يناجي القمر والنجوم كثيرا أيضا.
وإذا ما رأيناه يبكي - أحيانا - الديار والاطلال، فليس ذلك إلا لأنها كانت في وقت ما مصدر أنس له، أو لأنه هو نفسه كان حضريا.
ولان العربي هذا قد اتخذ الغزو والسلب وسيلة من وسائل العيش، فإننا نراه يهتم بالتغني بمواقفه هذه، ويفتخر باستمرار بشنه الغارات فرسانا وركبانا.
ومن الجهة الأخرى، فإنه دائما يتوقع أن يغزى، وأن تشن عليه الغارات، ولا يشعر بوجود سلطة تستطيع أن تحميه، فهو في خوف دائم، ورعب مستمر.
وإذا كان الامن غير متوفر له، فكيف يمكن أن تتوفر له الفرصة للتفكير في حياته، ومحاولة الخروج من واقعه، وتحسين ظروف عيشه، ثم التخطيط للمستقبل بواقعية، وأناة، ثم العمل بهدوء واطمينان على تنفيذ خططه، وتحقيق آماله؟!
ومن الجهة الثالثة، كيف وأنى يمكن لآماله أن تنمو، ولطموحاته أن تتجسد؟ وهو في كل يوم يفقد أملا، ويتحمل ألما.
وخلاصة الامر: إنه لا سلطة مركزية تستطيع أن تفرض هيبتها وهيمنتها بيسر وفعالية، بل إن ذلك قد يتعذر بالنسبة إلى أمة تعيش حياة التنقل والغارة، وتتحول باستمرار من مكان إلى مكان.
وقد كان العرب يتجنبون الالتحام بالجيوش المنظمة،، لتفوقها عليهم، فإذا تعقبتهم تلك الجيوش هربوا إلى البادية، واعتصموا بها.
وكذلك يفعلون إذا واجهوا الجيش ووجدوا فيه قوة (1).