التاريخ عن شئ ذي بال، تميزت به اليمن في تاريخها القديم، سواء على الصعيد الفكري، أو الحضاري، أو غير ذلك، ولا كان فيها ما يعبر عن نظرة واعية، أو عقلية متطورة تتلائم مع حجم امكاناتها تلك.
كما أن الديانة اليهودية المحرفة، التي سيطرت عليها حقبة من الزمن، لم تستطع أن تقدم لها شيئا يذكر في مجال النهوض بأهلها، والخروج بهم من ظلمات جهلهم، والتخفيف من شقائهم وآلامهم، تماما كما لم تستطع المسيحية المحرفة في الرومان، والزرادشتية في الفرس:
أن تؤثر تأثيرا يذكر في ذلك.
أما في الحجاز، فقد كانت كل تلك العناصر مفقودة، ولكن عندما وجد العنصر الأخير منها - فقط - استطاعت هذه الأمة - وذلك هو الاعجاز حقا - أن تنتقل من أمة متوحشة بدائية، تتصف بكل صفات الذل والمهانة، إلى أمة لا تدانيها، ولن تدانيها أية أمة أخرى على الاطلاق.
فعرب الحجاز لم يكونوا في الأكثر أهل زراعة، لان أرضهم لم تكن صالحة لذلك، بسبب قلة المياه فيها، حيث لم يكن فيها حتى نهر واحد بالمعنى الصحيح للكلمة (1). كما أن الأمطار تقل فيها بشكل ملحوظ. وكل ما كان هناك هو بعض الينابيع، التي كانت تظهر في الشتاء، وتجف في الصيف، فيرحلون عنها بحثا عن غيرها. هذا عدا عن أن الأرض نفسها كان فيها القليل مما يصلح للزراعة.
إذن، فلا شئ يشد العربي إلى هذه الأرض، أو يربطه بها، ويجعله يحبها، ويتفانى في سبيلها. بل كان مصدر حياتهم ورزقهم هو:
السيف، والماشية، والإبل بصورة عامة، ولهذا نرى أن أكثر ما يعز عليهم، ودر مكانة في نفوسهم هو هذه الأمور بالذات، فنرى الشاعر العربي يتغنى بالجمل، والسيف، والفرس، ويتغزل بالرياح الطيبة، التي