ويتبرأ منهم عند حقائق الأمور ومضايق البلايا وقد قال الله عز وجل في كتابه (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم) ووصف الذين اتقوا فقال (إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) فأعيذ أمير المؤمنين بالله من أن يكون نيته وضمير سريرته خلاف ما زين الله به عز وجل من كان قبله فإنه قد سألتهم أبناؤهم ونازعتهم أهواؤهم إلى مثل الذي هم به أمير المؤمنين فآثروا الحق على ما سواه وعرفوا أن الله لا غالب لقضائه ولا مانع لعطائه ولم يعلموا يأمنوا مع ذلك تغيير النعم وتعجيل النقم فآثروا الآجلة وقبلوا العاقبة وكرهوا التغيير وخافوا التبديل فأظهروا الجميل فتمم الله لهم أمورهم وكفاهم ما أهمهم ومنع سلطانهم وأعز أنصارهم وكرم أعوانهم وشرف بنيانهم فتمت النعم وتظاهرت المنن فاستوجبوا الشكر فثم أمر الله وهم كارهون والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله فلما بلغ أبا جعفر المنصور كتابه أمسك عنه وغضب غضبا شديدا وعاد الجند لاشد ما كانوا يصنعون منهم أسد ابن المرزبان وعقبة بن سلم ونصر بن حرب بن عبد الله في جماعة فكانوا يأتون باب عيسى فيمنعون من يدخل إليه فإذا ركب مشوا خلفه وقالوا أنت البقرة التي قال الله فذبحوها وما كادوا يفعلون فعاد فشكاهم فقال له المنصور يا ابن أخي أنا والله أخافهم عليك وعلى نفسي قد أشربوا حب هذا الفتى فلو قدمته بين يديك فيكون بيني وبينك لكفوا فأجاب عيسى إلى أن يفعل * وذكر عن إسحاق الموصلي عن الربيع أن المنصور لما رجع إليه من عند عيسى جواب كتابه الذي ذكرنا وقع في كتابه أسل عنها تنل منها عوضا في الدنيا وتأمن تبعتها في الآخرة * وقد ذكر في وجه خلع المنصور عيسى بن موسى قول غير هذين القولين وذلك ما ذكره أبو محمد المعروف بالاسوارى بن عيسى الكاتب قال أراد أبو جعفر أن يخلع عيسى بن موسى من ولاية العهد ويقدم المهدى عليه فأبى أن يجيبه إلى ذلك وأعيا الامر أبا جعفر فيه فبعث إلى خالد بن برمك فقال له كلمه يا خالد فقد ترى
(٢٧٩)