من أن المراد إفادته العلم بالجهة بالمعنى الذي ذكرناه: أي المقابلة الحسية لو كانت الكعبة مرئية لا العين، وتجويز الخطأ عليه في ذلك نفي لعصمته، لما فيه من النقص، إذ هو أجل من أن يقصر عن علماء الهيئة كما أوضحناه سابقا.
ولقد طال بنا الكلام حتى خرجنا عن وضع الكتاب إلا أنه كان المقام حقيقا به فإنه قد خفي في هذا العصر المراد بالجهة حتى أنه التجأ متفقهته للجهل بها إلى ما أحدثه الأردبيلي، وتبعه عليه بعض الناس مما هو مخالف لاجماع الأصحاب بقسميه من عدم اعتبار هذا التدقيق في أمر القبلة، وأنه أوسع من ذلك، وما حاله إلا كأمر السيد عبده باستقبال بلد من البلدان النائية التي لا ريب في تحقق امتثال العبد له بمجرد التوجه إلى جهة تلك البلد من غير حاجة إلى رصد وعلامات وغيرها مما يختص بمعرفته أهل الهيئة المستبعد أو الممتنع تكليف عامة الناس من النساء والرجال خصوصا السواد منهم بما عند أهل الهيئة الذي لا يعرفه إلا الأوحدي منهم، واختلاف هذه العلامات التي نصبوها - وخلو النصوص عن التصريح بشئ من ذلك سؤالا وجوابا عدا ما ستعرفه مما ورد (1) في الجدي من الأمر تارة بجعله بين الكتفين، وأخرى بجعله على اليمين مما هو مع اختلافه وضعف سنده وإرساله خاص بالعراقي مع شدة الحاجة لمعرفة القبلة في أمور كثيرة، خصوصا في مثل الصلاة التي هي عمود الأعمال، وتركها كفر، ولعل فسادها ولو بترك الاستقبال كذلك أيضا، وتوجه أهل مسجد قبا في أثناء الصلاة لما بلغهم انحراف النبي (صلى الله عليه وآله)، وغير ذلك مما لا يخفى على العارف بأحكام هذه الملة السهلة السمحة - أكبر شاهد على شدة التوسعة في أمر القبلة، وعدم وجوب شئ مما ذكره هؤلاء المدققون، قال في المدارك: (واعلم أن للأصحاب اختلافا كثيرا في تعريف الجهة، ولا يكاد يسلم تعريف منها من الخلل، وليس لهم في هذا الاختلاف