يصل إلى كثير من نتائج العلوم المدونة من غير حاجة إلى أهلها ومقدماتها، ومنهم من ليس له إلا قابلية التقليد ناط الشارع هنا التكليف بالعلم مع التمكن منه بلا عسر وحرج، كما يتيسر لكثير من أفراد الناس الممارسين المتنبهين من أهل البادية والقرى، بل لعل اتفاق ذلك في الأولين أكثر، ومع عدم التمكن فالتحري، ومع عدمهما فالأربع جهات، فلا عسر ولا حرج في ذلك على عامة المكلفين، إذ لم يكلفهم بمعرفة قواعد علم الهيئة الذي هو دقيق المقدمات، ولا يعرفه إلا أوحدي الناس، بل إنما أمر بالعلم بحصول الاستقبال للمتمكن كما هو القاعدة في كل موضوع، وبالظن لغيره، وبالعلم الاجمالي لفاقدهما، فمن كان حسن الفطنة يتمكن من حصول العلم بسبب معرفته في علم الهيئة أو بغير ذلك وجب عليه، وإلا أخذ بالأحرى فالأحرى على حسب استعداده أيضا، وما يتيسر له من أسباب الظن إلى أن يصل إلى التقليد وأدون.
ولعل هذا موافق للقاعدة المعلومة، وهي قيام الظن مقام العلم عند التعذر في موضوعات الأحكام، خصوصا في المقام الذي يقطع فيه بعدم سقوط الصلاة، وبعدم سقوط الاستقبال فيها، وبعدم حرمة السكنى في المواضع التي يتعذر فيها حصول العلم، وبعدم التكليف بفعل سائر الأفراد المحتملة، تحصيلا لليقين، وبقبح التكليف بما لا يطاق عندنا فإن الرجوع هنا حينئذ إلى الظن متعين كما هو واضح واختلاف العلامات المنصوبة للقبلة اختلاف يسير لا يقدح في تحصيل القطع باستقبال الجهة فضلا عن الظن، أو يقتصر في العفو على مثله، لا أنه يتعدى إلى غيره، على أن هذا الاختلاف يمكن أن يكون لاختلاف الأنظار في بعضها، فلا يقدح، أو لغير ذلك مما ستعرفه، وبيان الموضوعات التي لا تتوقف على النية ليست وظيفة الشرع قطعا وإن مست الحاجة إليها، ولذا يرجع إلى قول اللغوي والنحوي والصرفي وأصالة العدم وأصالة البقاء والقرائن الظنية وقول أهل الخبرة في الأرش وأمثاله وقول الطبيب وغير ذلك من الظنون، إنما على الشارع