وربما يؤيده تعرض النصوص لحكم العصير في بعض الأحوال المذكورة أو أكثرها، بل لعل تنزيل الصحيح على ذلك متعين بناء على ما سمعته من معروفية إطلاق العصير على خصوص العنبي، وأما خبر النضوح (1) فلعل الوجه فيهما إرادة التعليم لدفع الخمرية الحاصلة من إنباذ التمر وإنقاعه، وذلك لأن النضوح ضرب من الطيب يتخذ من ماء التمر وغيره، وقد حكي عن بعض الأفاضل في كيفيته أنه ينقعون التمر والسكر والقرنفل والتفاح والزعفران وأشباه ذلك في قارورة فيها قدر مخصوص من ماء ويشد رأسها ويصبرون أياما حتى ينش ويتخمر، وهو شائع بين نساء الحرمين، وكيفية تطيب المرأة به أن تحط الأزهار بين شعر رأسها ثم ترشرش به الأزهار لتشتد رائحتها.
قلت: ولذا أمر الصادق (عليه السلام) باهراقه في البالوعة في خبر عيثمة (2) قال: " دخلت عليه وعنده نساؤه، فشم رائحة النضوح، فقال: ما هذا؟ قالوا: نضوح يجعل فيه الضياح، فأمر به فأهريق في البالوعة " الحديث. فأراد الإمام (عليه السلام) بذهاب الثلثين زوال الأجزاء المائية التي هي منشأ الاختمار كما في العنب.
ويومي إلى ذلك كله ما عرفته من أن النضوح إنما يستعمل في غير المأكول، ومن اعتبر ذهاب الثلثين إنما يعتبر للأكل، فيعلم حينئذ إرادة التخلص بذلك عن الخمرية المورثة نجاسة في الشعر وغيره من محال الطيب، وهو الذي سأل الراوي عن حله، اللهم إلا أن يكون القائل باعتبار الثلثين اعتبر ذلك بالنسبة للحرمة والنجاسة، كما لعله الظاهر من المحكي عن بعضهم، إلا أنك قد عرفت سابقا حكاية الاجماع على الطهارة.
وكيف كان فحمل الخبرين على ما ذكرنا متجه، لا أقل من الاحتمال المبطل للاستدلال، نعم هما مشعران بحرمة بل ونجاسة نبيذ التمر إذا طرح فيه بعض الأجسام