ومن هنا يظهر لك أنه لا وجه للاستدلال بها على ما نحن فيه من عصير التمر المغلي بالنار ونحوها، لوضوح عدم اندراجه في شئ منها، نعم هي كغيرها ظاهرة في حرمة ما قلناه من النبيذ إذا نش وغلى بنفسه وخرج زبده ولو بطول المكث، ولا ينافيه ما دل على إباحة غير المسكر، إذ لعل كثيرة كذلك إذا بلغ هذا الحد، كما هو الظاهر من الأخبار أيضا.
وكان عبارات جملة من الأصحاب ظاهرة فيه إن لم تكن صريحة، منها عبارة الشيخ في النهاية " لا بأس بشرب النبيذ غير المسكر، وهو أن ينقع التمر أو الزبيب ثم يشربه، وهو حلو قبل أن يتغير وقال: ويجوز أن يعمل الانسان لغيره الأشربة من التمر والزبيب والعسل وغير ذلك، ويأخذ عليه الأجرة ويسلمها إليه قبل تغيرها " إذ قد اكتفى في تحقق البأس بمجرد التغير، ومنه ما ذكرنا قطعا.
ومنها ما في الوسيلة " إن النبيذ هو أن يطرح شئ من التمر أو الزبيب في الماء، فإن تغير كان في حكم الخمر، وإن لم يتغير جاز شربه والتوضؤ منه ما لم يسلبه إطلاق اسم الماء " كالذي في المهذب " يجوز شرب النبيذ الذي لا يسكر، مثل أن يلقى التمر أو الزبيب في الماء المر أو المالح، وينقع فيه إلى أن يحلو، فإن تغير لم يجز شربه ".
وفي السرائر " فأما عصير العنب فلا بأس بشربه ما لم يلحقه نشيش بنفسه، فإن لحقه طبخ قبل نشيشه حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه حل شرب الثلث الباقي، فإن لم يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه كان حراما، وكذلك فيما ينبذ من الثمار في الماء أو اعتصر من الأجسام من الأعصار في جواز شربه ما لم يتغير، فإن تغير بالنشيش لم يشرب ".
وفي الدروس " ولا يحرم المعتصر من الزبيب ما لم يحصل فيه نشيش، فيحل طبيخ الزبيب على الأصح، لذهاب ثلثيه بالشمس غالبا، أو خروجه عن مسمى العنب، وحرمه بعض مشائخنا المعاصرين " إلى آخره، بل في آخر كلامه ما هو كالصريح