العامة موافقتنا في ذلك، نعم حكي عن أبي حنيفة وصاحبيه خلاف ذلك، فأباح الأول المسكر من كل شئ عدا عصير العنب ونقيع التمر والزبيب، وأحل من العصير ما طبخ على الثلث، ومن النقيعين المطبوخ مطلقا، لكنه استثنى من المطبوخ القدر الذي يتعقبه الاسكار، فلو شرب عشرة وسكر بالعاشر اختص التحريم به، ونحوه في ذلك كله صاحباه، إلا أن الشيباني منهما قد اشترط في حل الثلاثة طبخها على الثلث، وقد خالفوا في ذلك الكتاب والسنة، بل وما هم عليه من القياس، مع كونه جليا تشهيا وطلبا للرخصة.
ولعله لذا قيل: إنه قد شنع عليهم فيه علماء العامة فضلا عن الخاصة، والتشاغل في تحقيق ذلك غير مهم بعد ما عرفت، فكان المرتضى (رحمه الله) لم يعتد بخلاف الصدوق ومن تقدمه، وإلا فهم ممن يقول بالحرمة دون النجاسة، واحتمال تخصيص كلامهم في الخمر دون غيره باطل قطعا.
نعم يتجه دعوى الاجماع المركب بمعنى أن كل من قال بنجاسة الخمر قال بنجاسة سائر الأشربة المسكرة، ومن قال بطهارته قال بطهارتها، فيتجه حينئذ الاستدلال عليها بكل ما دل على نجاسة الخمر من الاجماعات السابقة وغيرها كالآية (1) بناء على كون الرجس فيها بمعنى النجس، إما لغة كما في التذكرة والمنتهى، بل حكي في الثاني عن الصحاح والجمل أن الرجس بالكسر القذر، أو في خصوص المقام لنفي الشيخ في التهذيب عنه الخلاف، بل في المصابيح أنه نص عليه الفقهاء وادعى الشيخ عليه الاجماع، ولعله لا ينافيه وقوعه مع ذلك خبرا عن الأنصاب والأزلام، لامكان أن يراد به بالنسبة إليهما المستقذر عقلا من باب عموم المجاز، على أنه يمكن بل هو الظاهر دعوى كونه خبرا عن الخمر خاصة، فيقدر حينئذ لهما خبرا، ولا يجب مطابقة المحذوف والموجود وإن كان دالا عليه، كما في عطف المندوب على الواجب بصيغة واحدة، فيتعين حينئذ كون الرجس بمعنى النجس.