نعم لو كان المنكر بعيدا عن بلاد الاسلام بحيث يمكن في حقه خفاء الضرورة لم يحكم بكفره بمجرد ذلك، ولعله ينزل عليه التقييد السابق في كشف اللثام، فلا ينافي ما ذكرنا، كما أنه يحتمل تنزيل ما تقدم من مجمع البرهان على إرادة لزوم إنكار الضروري لانكار الشريعة في نفسه وحد ذاته وإن لم يكن عند المنكر، فلا ينافيه أيضا وإن كان احتمال ذلك في كلامه بعيدا بل ممتنعا، وأما لو أصر بعد الظهور والاطلاع وإن كان لشبهة ألجأته إليه حكم بكفره، لعدم معذوريته، وظهور تقصيره في دفع تلك الشبهة، كمن أنكر النبي (صلى الله عليه وآله) مثلا لشبهة.
فالحاصل أنه متى كان الحكم المنكر في حد ذاته ضروريا من ضروريات الدين ثبت الكفر بانكاره ممن اطلع على ضروريته عند أهل الدين، سواء كان ذلك الانكار لسانا خاصة عنادا أو لسانا وجنانا.
ومنه يظهر الفرق حينئذ بين الضروري وغيره من القطعي كالمجمع عليه ونحوه، فإنه لا يثبت الكفر بالثاني إلا مع حصول العلم ثم الانكار، بخلافه في الضروري فيثبت وإن لم يكن إنكاره كذلك.
وقد يؤيد ذلك كله ما حكاه شيخنا في مفتاح الكرامة، قال: وهنا كلام في أن جحود الضروري كفر في نفسه أو لأنه يكشف عن إنكاره النبوة مثلا، ظاهرهم الأول، واحتمل الأستاذ الثاني، قال: " فعليه لو احتمل وقوع الشبهة عليه لم يحكم بكفره، إلا أن الخروج عن مذاق الأصحاب مما لا ينبغي " انتهى.
قلت وهذا من أستاذه اعتراف بما ذكرناه من مراد الأصحاب، حتى أنه ذكر ما ينافيه بصورة الاحتمال، ثم كر عنه، ويؤيده قرائن كثيرة تشهد على إرادتهم ذلك لا يسع المقام تعدادها، خصوصا مع ملاحظة باب الحدود، ففي القواعد هناك أنه يحصل الارتداد إما بالفعل، وإما بالقول كاللفظ الدال بصريحه على جحد ما علم