عصير العنب: " وهل الحكم بتحريم العصير قبل ذهاب ثلثيه تعبد محض، أو معلل بالاسكار الخفي المسبب عن الغليان، أو بعروض التغير له إذا بقي وطال مكثه؟ احتمالات أوسطها الأوسط، وقد بان لك وجهه مما مضى، ويأتي تحقيق ذلك إن شاء الله " انتهى.
قلت: ويزيده تأييدا وتأكيدا أنه قد استفاضت الروايات (1) بل كادت تكون متواترة بتعليق الحرمة في النبيذ وغيره على الاسكار، وعدمها على عدمه، مع استفاضة الروايات (2) بحرمة عصير العنب إذا غلى قبل ذهاب الثلثين وحملها على التخصيص ليس بأولى من حملها على تحقق الاسكار فيه، بل هو أولى لأصالة عدم التجوز، بل لعله متعين لعدم القرينة، بل قد يقطع به لعدم ظهور شئ من روايات الحرمة في خروج ذلك عن تلك الكلية بل ولا إشارة.
ودعوى شهادة الوجدان بعدم الاسكار فيجب التخصيص ممنوعة أشد المنع، إذ من جرب ذلك فوجد خلافه ولو بالكثير منه خصوصا مع الاكتفاء به ولو بالنسبة إلى بعض الأمزجة في بعض الأمكنة والأزمنة والأهوية حتى الخفي منه، كلا أن دعوى ذلك فرية بينة.
ومن ذلك كله يظهر لك إمكان منع دعوى فرض النزاع في معلوم عدم الاسكار، نعم هو ليس فيما علم تحقق الاسكار فيه. إنما النزاع في العصير العنبي من غيره تقييد، إذ لعل وصف الاسكار لازم له ولو بالكثير منه، فلو فرض البحث في فاقده كان نزاعا في موضع وهمي لا يليق بالفقيه، فالانصاف أنه لا علم للقائلين بالطهارة بعدم إسكاره حتى الكثير منه، كما أنه لا علم للقائلين بالنجاسة باسكاره ولو بالكثير منه، لعدم تعارف شرب مثله للسكر، اللهم إلا أن يستفيدوا من نجاسته ذلك بدعوى التلازم، أو ظهور الدخول في الخمر، أو غير ذلك.