ولعله لذا قطع به في الذكرى، فقال: " لا ريب في عدم اعتبار العدد في الجاري والكثير في غير الولوغ وقول ابن بابويه باعتبار المرتين في الراكد دون الجاري كحسنة محمد بن مسلم (1) عن الصادق (عليه السلام) محمول على الناقص عن الكر أو على الندب، لتغاير المياه في الجاري، فكأنه غسل أكثر من مرة بخلاف الراكد " انتهى. وهو جيد مشتمل على فوائد كثيرة تعرف مما سبق، فالقول بوجوب العدد للاستصحاب والاطلاق ومفهوم الصحيح، بل ومنطوق الرضوي السابقين في أول البحث ضعيف جدا، لما عرفت والرضوي مع أنه ليس بحجة عندنا يمكن حمله على ما ذكره الشهيد في عبارة الصدوق التي هي عين عبارته، بل لعل ذكر العصر فيها يومي إليه، لسقوطه بالكثير الراكد عندنا، فتأمل جيدا.
ثم المعتبر في غسل النجاسات والمتنجسات بها زوال أعيانها بحيث لم يبق منها أجزاء على المحل ولو كانت دقاقا، نعم لا عبرة بعد ذلك بالألوان والروائح ونحوهما من الأعراض التي لا تستتبع أعيانا من مؤثراتها عرفا بل ولا عقلا، لمنع اقتضاء العرض محلا من مؤثره يقوم به، بل يكفي في عدم تحقق قيامه بنفسه قيامه بالثوب ونحوه مما باشر المؤثر، على أنه لو سلم استلزامه أجزاء جوهرية من المؤثر أمكن منع وجوب إزالتها، لصدق غسل النجاسة بل الإزالة المأمور بها شرعا بدون ذلك، والأصل براءة الذمة عن التكليف بغيرهما مؤيدا بالعسر والحرج والسيرة والطريقة المستمرة، سيما في مثل الأصباغ المتنجسة ولو بالعرض من مباشرة الكفار وغيرهم، حيث يكتفي سائر المسلمين بغسلها إذا أريد تطهيرها من ذلك.
فاحتمال التمسك باستصحاب النجاسة أو حكمها إلى زوالها في غاية الضعف، خصوصا بعد ما في المعتبر من إجماع العلماء على عدم وجوب إزالة اللون والرائحة الذي يشهد له التتبع.