بين مكة والمدينة، ومعه أم إسماعيل فأصاب من جارية له فأمرها فغسلت جسدها وتركت رأسها، وقال لها: إذا أردت أن تركبي فاغسلي رأسك، ففعلت ذلك " إلى آخره - فلعل أقرب الوجوه فيه ما قاله الشيخ: من وهم الراوي واشتباهه، قلت:
وذلك لأن هشام بن سالم راوي الحديث قد روى عن محمد بن مسلم (1) خلافه، قال عنه: " دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) في فسطاطه وهو يكلم امرأة فأبطأت عليه فقال: ادنه هذه أم إسماعيل جاءت، وأنا أزعم أن هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجها عام أول كنت أردت الاحرام فقلت: ضعوا لي الماء في الخباء فذهبت الجارية فوضعته، فاستحففتها فأصبت منها، فقلت: اغسلي رأسك وامسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك، فإذا أردت الاحرام فاغسلي جسدك ولا تغسلي رأسك فتستريب مولاتك، فدخلت فسطاط مولاتها، فذهبت تتناول شيئا، فمست مولاتها رأسها، فإذا لزوجة الماء، فحلقت رأسها وضربتها، فقلت لها: هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجك " وربما حمل بعضهم الأولى على التقية، أو على إرادة غسل الاحرام، وفيهما نظر.
وكيف كان فلا ينبغي الاشكال في وجوب تقديم الرأس على البدن، والمراد به في المقام ما يشمل الرقبة كما هو صريح المقنعة وكافي أبي الصلاح وغنية ابن زهرة والذكرى والدروس واللمعة وجامع المقاصد والروض والروضة والتحرير وكشف اللثام والحدائق وشرح المفاتيح للأستاذ الأكبر والرياض، بل قد يظهر من الغنية دعوى الاجماع عليه، وفي الحدائق أنه كذلك من غير خلاف يعرف بين الأصحاب ولا إشكال، وفي شرح المفاتيح إن الظاهر اتفاق الفقهاء عليه، وعن غيره مما يقرب إلى عصرنا دعوى الاتفاق عليه، قلت: ولعله استنبطه من عبارات الأصحاب كعبارة المصنف وغيرها، لظهور دخول الرقبة في الرأس دون أحد الجانبين، وبذلك يدخل حينئذ