بعد الانجبار بما عرفت، مع أن الأخيرين من قسم الموثق، وهو حجة عندنا، وعدم قدح الاضمار في نفسه كما تقدم غير مرة، بل في الرياض " أنه يمكن إرجاعهما إلى ما عليه الأصحاب بدفع الأول بتقييده بالمبتدأة، والثاني بانحصار النسوة بالبعض أو عدم التمكن من استعلام حال الباقيات للتشتت " انتهي.
قلت: وظاهره تخصيص هذا الحكم عند الأصحاب بالمبتدأة بالمعني الأخص كما صرح به في أول كلامه، وهو لا يخلو من نظر وتأمل، إذ قد عرفت سابقا أن المبتدأة تطلق في عبارات الأصحاب في مقابلة المتحيرة، فتشمل حينئذ من لم تستقر لها عادة، بل قد عرفت أنه نسبه إلى المشهور في المسالك، وإلى الأشهر في الروضة، وإلى العلامة ومن تأخر عنه في الحدائق، وأنه الظاهر من المصنف بل من المبسوط والوسيلة والسرائر والجامع والموجز الحاوي والقواعد والمنتهى والتذكرة وغيرها كما لا يخفى على من لاحظ عبارات هؤلاء، مع ما فيها من الشواهد على ذلك من حصر أقسام المستحاضة بالمبتدأة وذات العادة ونحو ذلك، بل كاد يكون كالصريح من بعضهم، ولذا قال في جامع المقاصد: " إن ظاهر العبارة أن المبتدأة من لم يسبق لها عادة في الحيض، لأنها مقابل المعتادة، وأن المضطربة من سبق لها عادة في الحيض ونسيتها - ثم ذكر تفسير المعتبر لها بأنها التي تبتدئ الدم، وللمضطربة بالتي لم تستقر لها عادة، قال -: وهذا التفسير صحيح إلا أن الأول تجري عليه أحكام الباب، فإن من لم تستقر لها عادة ترجع إلى النساء مع فقد التمييز كالتي ابتدأت الدم، والمضطربة لا ترجع إلى النساء لسبق عادتها " انتهي. كل ذا مع شمول الموثقين المتقدمين له، وعدم صلاحية المرسل المتقدم لتقييدهما به، إذ لا منافاة بينهما، بل لعل قول السائل فيه: (فلا تعرف أقرائها) يشعر بأن علة الرجوع إلى عادة النساء ذلك لا كونها مبتدأة، مع أنه الموافق للاعتبار المتقدم أيضا.