واما الجهة الثانية: فالفرق بين الطبيعة والفرد هو: ان المراد بالطبيعة ذات الماهية مع قطع النظر عن العوارض اللازمة لوجودها من زمان ومكان ونحوهما، والمراد بالفرد هو الماهية المقيدة بهذه العوارض اللازمة. فمن يدعي ان متعلق الامر هو الطبيعة يريد أن الامر هو طلب وجود الطبيعة بذاتها من دون نظر إلى العوارض والمشخصات اللازمة لها في الوجود، بحيث لو تصور - محالا - انفكاكها عن الطبيعة لم يلزم تحقيقها. ومن يدعي ان متعلق الامر هو الفرد يريد أن متعلق الامر هو وجود الطبيعة المتقيدة بهذه العوارض، فهي دخيلة في متعلق الامر ومقومة له.
وقد أوكل صاحب الكفاية معرفة صحة اختياره، وهو تعلق الامر بالطبيعة لا الفرد إلى مراجعة الوجدان فإنه يقضي بذلك، فان الآمر لا يجد في نفسه الا إرادة ذات العمل من الغير مع غض النظر عن العوارض اللازمة ومن دون تعلق غرض له بها أصلا، بل ليس مطلوبه سوى الطبيعة بذاتها.
وبالجملة: فقضايا الاحكام في نظر صاحب الكفاية كالقضايا الطبيعية في غيرها في كون الحكم على نفس الطبيعة بما هي من دون ملاحظة دخل الخصوصيات اللازمة لوجودها فيها، بل كالقضايا المحصورة فان الحكم فيها أيضا على الطبيعة، لكن لوحظ فيها سرايتها في جميع افرادها أو بعضها.
وخلاصة رأي الكفاية هو: ان الامر يتعلق بوجود الطبيعة من دون لحاظ تقييدها بالعوارض اللازمة من مكان وزمان وغيرهما. واثباته لا يحتاج إلى برهان بل في مراجعة الوجدان كفاية (1).
ووضوح تمامية هذا الرأي بشؤونه وعدم تماميته تظهر بالتعرض إلى كلمات غيره من الاعلام وتمييز صحيحها من سقيمها.