ثم توضأ بأحدهما، فإن مقتضى استصحاب الحدث هو وجوب الوضوء بغيره، وترك الوضوء حينئذ مخالفة قطعية لمؤدى الاستصحاب، والوضوء بالآخر وإن كان موافقة احتمالية له، إلا أنه موجب للقطع بموافقة التكليف الواقعي.
فالتحقيق: أن ما ذكره قدس سره من عدم الأثر للاستصحاب لا يتم بناء على عدم وجوب الموافقة القطعية عقلا - الذي هو محل الكلام في المقام - وإنما يتم بناء على وجوبها عقلا - كما هو التحقيق - لان حكم العقل بوجوبها ما لزم بالاتيان بالطرف الباقي مع قطع النظر عن الاستصحاب، وحيث لم ينهض الاستصحاب بالورود على القاعدة - لما تقدم - كان التعبد به لا غيا.
ومنه يظهر الفرق بين الاستصحاب في ما نحن فيه واستصحاب عدم الاتيان بالظهر لمن شك في الاتيان بها، لان الاستصحاب هناك بيان على بفاء التكليف بالظهر، بنحو يكون الاتيان بها امتثالا قطعيا، فيكون واردا على قاعدة الاشتغال، أما في المقام فالمفروض عدم إحراز انطباق المستصحب على الطرف الباقي، ليحرز كونه امتثالا له بمقتضى الاستصحاب، بل ليس الاتيان به إلا لاحتمال انطباقه عليه، الذي هو مفاد القاعدة.
نعم، لو كان لعدم الاتيان بالواجب أثر آخر غير الامتثال لا تقتضيه قاعدة الاشتغال - كوجوب القضاء أو الكفارة - كان جريان الاستصحاب في محله، لترتب العمل عليه. فتأمل.
ثانيها: أن الاستصحاب المذكور استصحاب للفرد الاجمالي المردد بين معلوم الارتفاع ومشكوك الحدوث، وهو لا يجري على التحقيق، لوجود وقع الكلام فيها من غير واحد، عمدتها منافاة إطلاق لسان التعبد بالاستصحاب في المردد للعلم التفصيلي في الفرد المعلوم الارتفاع، بالوجه الذي تقدم في الصورة الثانية من صور عروض المانع من منجزية العلم الاجمالي، التي سبق الكلام فيها في التنبيه الرابع، ويأتي في مبحث الاستصحاب إن شاء الله تعالى.